“درس قاسي” تجربة نفسية على خشبة المسرح القباني
يقول سارتر “العنف لا يمكن قهره، إنه جوهر الإنسان إذ يعيد خلق نفسه بنفسه، لذلك لا أمل في القضاء عليه”، وتقول دراسات جرت في الستينيات من القرن الماضي أن نسبة العنف عند الإنسان تصل إلى 60%، وفي الحقيقة هذا الرقم تطور وتزايد ووصل إلى 80%. أما العنف الذي وجد على خشبة مسرح القباني في مسرحية “درس قاسي” كان له طعم ونكهة مميزة، كان أساساً في كشف أسمى المشاعر وهو الحب، حب الطالبة “لورا” لأستاذها الذي أبعدها عن التجربة القاسية، وحب مساعدة أستاذ العلوم النفسية “أليسا” لمدة ثلاث سنوات دون أي جدوى، لأن قلب “د.إبراهيم” مع طالبته “لورا” التي أحبها لكن فارق العمر جعل من حبه دون أي تطور أو تقدم.
تلقين قاس
تبدأ مسرحية “درس قاسي” التي أعدّها المخرج د.سمير عثمان الباش عن نص بنفس العنوان للكاتب الروسي المعاصر فالنتين كراسنوغوروف، بتجربة للأستاذ الجامعي “إبراهيم- أوس وفائي” على الطالبين “لورا- توليب حمود” الفتاة المتفوقة والطموحة وتكسب المال من تعبها و”يزن- كرم حنون” الشاب الذي لا يستطيع الخروج من عباءة والده المسيطرة برفقة المساعدة “أليسا- فرح دبيات” التي تخضع للتعذيب مقابل مبلغ من المال على الكرسي الكهربائي.
يتناوب الطالبان على التجربة التي تعتمد على تحفيظ “أليسا” عشرة أسطر من مسرحية تاجر البندقية لشكسبير، وتعاقب في حال لم تستطع الإجابة بضربات كهرباء تبدأ من 20 فولتاً وتنتهي بـ300.
ورغم غيرة “لورا” من “أليسا” لتقربها من حبيبها “إبراهيم” إلا أنها لم تستطع إكمال هذه التجربة مع أنها تحمست لعذابها في البداية، وعند الرقم 80 فولتاً توقفت عن التجربة واعتذرت عنها رغم المبلغ المالي الذي كانت بحاجة إليه. أما “يزن” فكان الزر الأحمر محبباً لديه، وبالرغم من أنه اختلف مع “لورا” بغاياته في الضغط عليها إلا أنه تابع التجربة إلى أن تسبب في إيذاء الفتاة رغم إعجابه الشديد بها وتعاطفه معها، ولكن بين قلبه وإرضاء أستاذه اختار العنف ليثبت أنه يستطيع تحفيظها، وفي النهاية وصل إلى مرحلة عدم السيطرة على نفسه وكأنه نوّم مغناطيسياً.
عنف التعليم
يلجأ الكثير من الأساتذة للتعليم بواسطة العنف، وفي “درس قاسي” لم تكن العصا هي وسيلة أو التهديد بإنقاص علامات الطالب في القسم العملي، وإنما كانت من خلال تجربة غير موافق عليها من قبل إدارة الجامعة تعتمد على ضربات كهربائية وهمية، لتكون النتيجة أن التجربة أيضاً وهمية إلا أنها تتسبب بالأذى النفسي للطالبين وللجمهور ولكل من تعاطف مع “أليسا” التي يتبين في نهاية المسرحية أنها ممثلة برعت بتأدية عذابها بحرفية وإتقان.
السؤال الذي يحضر في موضوعنا هذا هل ينفع العنف والعقاب والخوف والسيطرة في عملية التعليم؟ وفي الواقع، نرى العرض يدعو للتوقف عن القيام بأي عمل لا أخلاقي والتفكير جيداً قبل القيام به بالعنف مع الدعوة لمراعاة الأخلاق والإنسانية في كل تصرفاتنا. والحقيقة العنف انتشر في عالمنا حتى صار جزءاً من حياتنا اليومية، والمشاكل العالقة والتي تدور حول قصص الحب من حيث تناسبها وعمقها وفق معايير محددة فقد ظهرت في المسرحيات الأخيرة التي تم عرضها على خشبتي مسرح الحمراء والقباني، ففي ظروف التجربة العلمية النفسية والاجتماعية ظهر الحب من خلال العنف ورغم سوء الوصف إلا أن الاعتراف به جعل الجمهور يبتسم إعجاباً بعد أن كان يخوض درساً قاسياً مع أبطال المسرحية، ويمكن القول أن الإنسان يتفاعل مع اللحظات الجميلة متناسيناً العنف والدمار والقتل والسواد الخارج عن السيطرة، فرغم كل المكاشفات التي تواجدت في مسرحية “طميمة” كان الحب بطلاً حقيقياً لدى يزن الخليل وكفاح الخوص وكرم الشعراني ومرح حجاز ومرح حسن، كما حرر الحب الإرادة في مسرحية “كيميا” وصنع المعجزات، ولوّن الحياة، وأعطى الأمل بمعان متجددة، فالحب بمفهومه الكوني حاجة إنسانية عليا، ولنا نحن السوريين ربما يكون خشبة خلاص، ومن يملك حلاً آخر لمشاكلنا يحمل قوة وسحر الحب ليتفضل به، فأن تحب يعني أن تكون قادراً على التسامح، وترى الآخر شريكاً مساوياً لك في الحقوق وعليه نفس الواجبات، الحب بسمة طفل وصباح جميل وفسحة للتنفس بمساحة وطن، وفي النهاية، الحب هو أهم من أي شيء آخر في هذه الحياة وكل شيء يدور حوله.
جمان بركات