مأمون خطيب.. التجريب بمنطق صحيح
بعد عدة تجارب كلاسيكية وواقعية، ولأنه لا يريد أن يقع في مصيدة النمط الإخراجي السائد، ولسعيه الدائم إلى اكتشاف أشياء وأشكال جديدة كان من الضروري للمخرج المسرحي مأمون خطيب أن يقدم ما هو مختلف تماماً عما سبق وقَدَّمه، لذلك كانت مسرحية “البوابات” التي ستبدأ عروضها مساء غد الأربعاء على خشبة مسرح القباني حاجَة ملحة له باتجاه ارتياد التجريب ولكن بمنطق صحيح ومقونَن.
الصدق في الطرح
يبين خطيب في حواره مع “البعث” أنه كمخرج معجب بهذه المدرسة، وإن كان يؤمن أن كل الأعمال المسرحية فيها قسط كبير من التجريب إلا أنه في “البوابات” يذهب عن سبق إصرار وبشكل مباشر نحو التجريب سواء في الشكل أو في المضمون على صعيد آلية كتابة نص له عمق وبعد إنساني كُتِبَ بالتعاون مع الفنانة نسرين فندي لتكريسه على خشبة المسرح، مؤكداً خطيب أن كل عمل يفترض نوعاً وأسلوباً بالتعاطي معه، وهو اليوم يذهب باتجاه التجريب لضرورات النص، وإن كان يتفق مع الغالبية في أن التجريب مازال موضوعاً إشكالياً، وهو وإن أقدم على هذا الموضوع الإشكالي فقد راهن على صدق الطرح ضمن التجريب في الأداء، كما راهن على إنسانية العمل، وهو يؤمن أن التجريب لا يأتي إلا بعد عمل طويل، وهو لا يلغي القواعد الصحيحة للمسرح، كما لا ينفي التوجه العلمي بالتعاطي مع جميع عناصر العرض المسرحي، مشيراً إلى أن التجريب في “البوابات” لم يكن مجرد رغبة شخصية بل لأن مقولة العمل تحتاج لهذا الأسلوب، دون أن ينكر أنه يحاول من خلال هذا الأسلوب الولوج إلى باب أحدث قليلاً بعد الخبرة والمعرفة بالمسرح الواقعي والكلاسيكي، منوهاً إلى أنه كمخرج يتنقل بين الأساليب حسب الفكرة ومتطلباتها.
أداء شرطي مؤسلب
وما بين الشكل الواقعي والشكل التجريبي يؤكد خطيب أن كل الأشكال المسرحية صعبة وتحتاج إلى جهد كبير، وهو حتى عندما يُقدم على تقديم عرض واقعي إنما يقدمه ضمن الشرط التجريبي كأن تكون بعض العناصر -كالأداء- واقعية، ولكن مع سينوغرافيا شَرطية، موضحاً أن الأداء في “البوابات” شرطي مؤسلب، وأن جميع العناصر الأخرى تخضع لهذا الشرط ضمن فرضية الصدق والتبني من قِبل الممثلين المشاركين، مثنياً على الروح الشبابية التي يتمتع بها فنانو “البوابات”.
كلنا مساكين
لا يمكن لمأمون خطيب أن يتعاطى مع أية فكرة إن لم تمس الواقع بشكل أو بآخر، وعرض “البوابات” الذي أُنجِز بالتعاون مع نسرين فندي يتحدث عن فكرة حساسة هي فكرة السفر بالخيال وعدم قدرتنا على تنفيذ هذا الحلم، وكل ذلك يحدث ضمن لعبة شرطية من منظور فنانة تشكيلية، لنكتشف في النهاية بأن الشخصيات هي شخصيات غير سويّة، رافضاً خطيب أن يكشف عن تفاصيل أخرى في العمل، إلا أنه يبين أن الرسالة النهائية للعرض تؤكد أننا كلنا مساكين بشكل أو بآخر.
تجربة أخرى
نجاح عرضه المسرحي “اعترافات زوجية” الذي قدّمه في العام الماضي من بطولة مالك محمد ورنا جمول يبدو أنه حمّله مسؤولية كبيرة، إلا أن خطيب يرى أن المسؤولية تزداد عند المخرج مع كل عمل يقدمه.. من هنا فهو يعتبر مسرحية “اعترافات زوجية” تجربة من التجارب، وأن “البوابات” هي تجربة أخرى قد ينجح فيها وقد يفشل، مع تأكيده على حقه كمخرج في أن يجرّب كل الطرق والأنواع حسب متطلبات الشرط الإخراجي وشرط النص.
ليس أمراً جديداً
لم يجد المخرج خطيب صعوبة في اختيار ممثليه وهو المعروف بتعاونه الدائم مع خريجي المعهد العالي للفنون المسرحية الذين لديهم الأهلية والقابلية لأن يكونوا ضمن شرط مسرحية “البوابات” أما شراكته كمخرج مع نسرين فندي ككاتبة وممثلة فهو ليس أمراً جديداً، منوهاً إلى أن فندي من الخريجات المتميزات، وكان أستاذها في المعهد العالي للفنون المسرحية، لذلك هو يعرف تماماً كيف يمكن أن تتعاطى ككاتبة وكممثلة مع موضوع المسرحية الذي يمس شرائح مثقفة من المجتمع.. من هنا طرح فكرة العمل عليها وكانت لديها الأدوات الفكرية اللازمة لتحقيق شرط النص، مع إشارة الخطيب إلى أنه كان يتمنى وجود كتّاب يتم الاعتماد عليهم، ويؤسفه أن هؤلاء لا يجدون الوقت الكافي لفعل ذلك، أو أنهم ملتفتون لأعمال أخرى.
“البوابات” من إنتاج مديرية المسارح والموسيقا وهي من تمثيل: نسرين فندي، إبراهيم عيسى، رشا الزغبي، سليمان رزق.
أمينة عباس