لبنان وأحلام جوقة فيلتمان
يبدو واضحاً أن المشهد اللبناني، بما فيه من حراك شعبي وتجاذب بين القوى السياسية، مرشّح إلى مزيد من التعقيد، وربما الانزلاق نحو الفوضى، في ظل تعنّت بعض القوى واستمرارها في المماطلة، ورفض أي صيغة للحل تفضي إلى بدء المشاورات النيابية تمهيداً لتشكيل الحكومة الجديدة، ما يؤكّد أن تلك القوى تحاول استغلال مطالب الناس ومشاكلها لتصفية حسابات مع شركاء لها في الوطن والحكومة، وقد ظهر هذا التوجّه جلياً مع إطلاق كل من وزير خارجية أمريكا مايك بومبيو وسفيرها السابق جيفري فيلتمان تصريحات تحرّض على إقصاء حزب بكامله من المشهد السياسي، مقابل أن ينعم لبنان بالاستقرار والازدهار!، تزامناً مع قيام بعض الفضائيات العربية المعروفة بتوجهاتها بحملات غير مسبوقة لشيطنة هذا الحزب وتجريمه، فهل كانت التصريحات الأمريكية صافرة البدء للانطلاق نحو تنفيذ ذلك؟.
مع بداية الحراك الشعبي اللبناني تمّ إطلاق مجموعة من المطالب، سارعت الحكومة، بما تضم من قوى سياسية، إلى تبني ورقة إصلاحية لتخفيف الاحتقان في الشارع، ولكن قوى محسوبة على قوى 14 آذار حاولت التنصّل من إقرار هذه الورقة، عبر الإطاحة بالحكومة من بوابة الاستقالة، وتعطيل المجلس النيابي وامتناع نواب كتلها من حضور جلسات المجلس لتطيير النصاب وإبقاء حالة المراوحة والفراغ، ما يعني أن هذه القوى لا تريد أن يغادر المحتجون على أمور المعيشية الشوارع والساحات قبل الوصول إلى هدفهم، فماذا يريدون بالتحديد، هل تحقيق مطالب الناس، بالتأكيد لا، إن ما يسعون إليه أصبح أكثر وضوحاً بعد تصريحات بومبيو فليتمان، اللذين خيّرا لبنان بكل وقاحة: إما حكومة تكون بدون حزب الله، وإلا الفوضى والخراب.
وعليه فإن ما يحدث اليوم في مسألة الاستشارات النيابية يصب في الهدف ذاته، حيث تصرّ هذه القوى على منع الاتفاق على شخصية رئيس الحكومة وماهيتها، هل هي من الاختصاصين أم مطعمة بالسياسيين؟، وقد تجلّى ذلك واضحاً من خلال اعتذار الكثير من الشخصيات بعد عدم حصولها على دعم علني من هذه القوى، وأكثر من ذلك ممارسة الضغوط على مراجع بعينها لثنيها عن إعطاء أي غطاء للمرشحين.
الأمر لم يتوقف على الشأن السياسي بل تعدّاه إلى محاولة نشر الفوضى المتنقّلة من طرابلس إلى البقاع والشمال وبيروت وصولاً إلى الجنوب، حيث رمت هذه القوى بكامل ثقلها لافتعال المشاكل والأحداث الأمنية، خلدة مثالاً، في محاولة للإيقاع بين الشارع المحتج والمقاومة الوطنية اللبنانية ومن يقف في صفها من قوى سياسية، ولكن حتى الآن باءت كل المحاولات بالفشل، مع وعي الطرف الآخر وإدراكه أن جزءاً كبيراً مما يجري في الشارع هو لعبة سياسية الهدف منها الحفاظ على المكاسب الاقتصادية والسياسية والمالية لبعض الزعامات الطائفية والأهم تصفية حزب الله كفريق سياسي خدمة لمصالح غريبة وخليجية وإسرائيلية، والدليل على ذلك ما أعلن من المنامة: “طلبنا من الجيش اللبناني، على مدى 6 أشهر، الاستعداد لرد فعل على فعل من جانب حزب الله”.
وعليه في ظل هذه الأوضاع فإن لبنان مرشّح إلى مزيد من التعقيد والتأزم، ولكن لبنان الذي استطاع بإرادة أبنائه ومقاومتهم دحر العدو الصهيوني، وردعه ومنعه من القيام بأي عمل مهما كان صغيراً أو كبيراً، قادر اليوم على استغلال الظروف الحالية لإعادة بناء نفسه على أسس وطنية تعبّر عن تطلعات أبنائه، أما جوقة فيلتمان، فكما فشلت في 2005 و2006 وما تلاهما من أحداث فإنها اليوم ستفشل في تغيير وجهة لبنان المقاوم.
سنان حسن