مع بطء الحلول مجتمع السويداء.. محاولات للتغلب على التحديات وابتكار أساليب تقشفية لمواجهة أعباء الشتاء
يتفوق فصل الشتاء الحالي مع أزماته على فصول الشتاء في السنوات السابقة بسبب موجة الغلاء الكبيرة التي ضربت الأسواق، وضربت معها كل مدخرات السوريين المالية التي تعاني أصلاً من القلة والشح، إلا أن الارتفاع المفاجىء للأسعار أتى على كل تلك المدخرات، ووفقاً للكثير من الأسر التي التقيناها مع بدء فصل الشتاء فإن توقعاتها في هذا الشتاء أنه سيكون قاسياً، وبدأ أفرادها اتخاذ إجراءات تقشفية جديدة تتناسب مع المرحلة القادمة، وبدأت عمليات البحث عن سبل وأساليب جديدة تساعدهم على الاستمرار ولو بقليل من النبض.
البحث عن الدفء
أولى هواجس الأسر اليوم هو الدفء، وعمليات البحث مستمرة عن حلول للالتفاف على البرد القارس الذي ينذر به بدء فصل الشتاء، فأبو مازن يجلس بعيون جاحظة أمام التلفاز متأملاً النشرة الجوية، ومعادلة صعبة ترتسم في ذهنه، فمقابل الخرائط الجوية التي بدأ المتنبىء الجوي عرضها على الشاشة، هناك خارطة من الأفكار المتناقضة تفصله عن المدفأة المتوضعة وسط غرفته، وبين أرضه العطشى للمياه، ومدفأته العطشى للمحروقات تشتت تفكيره، فهل يدعو بقدوم منخفض جوي، أم يدعو لانحرافه بأي اتجاه كان؟! وماذا عن صورة الغيوم التي بدت واضحة في الخارطة الجوية، هل يفرح لقدومها، أم يحبط لما ستحمله من برد قارس سيخترق جسده وجسد أبنائه المتدورين حول المدفأة بانتظار القليل من الدفء؟!.
الحديث عن مشكلة التدفئة في السويداء لم يعد من باب الترف الإعلامي، فالمشكلة تكرر الحديث عنها في كل وسائل الإعلام، وفي كافة الملتقيات والحوارات، ليتكرر الجواب التقليدي: “ضمن الإمكانيات المتاحة”، يقول أبو مازن: إن مجموع كميات المازوت التي وصلت إليه منذ بداية فصل الشتاء ٢٠٠ ليتر، وهذه الكمية وفقاً للمصروف اليومي لكل أسرة لا تكفي أكثر من 30 يوماً في حالات التقنين الشديد، أي أن معظم الأسر اليوم لا يوجد لديها مازوت تدفئة، وبالطرف المقابل ممنوع قطع الأشجار، وأسعار المازوت في السوق السوداء مرتفعة، فسعر الليتر يزيد عن 350 ليرة سورية، أما طن الحطب فسعره وصل إلى 60 ألف ليرة، وهو لا يكفي أكثر من شهر واحد، إذاً حالنا بات ينطبق عليه المثل الشعبي: “صحيح لا تاكل، ومقسوم لا تاكل، وكول لتشبع”، ويطالب أبو مازن بإنصاف الأسر في المناطق الجبلية الباردة، فحاجتها مضاعفة عن حاجة الأسر في المناطق الداخلية والسهلية!.
وعود خلبية
العواصف الجوية تتناوب على البلاد، والجميع يحذر من موجة برد قارس، والآلاف من أبناء السويداء مازالوا يصطدمون بعجزهم عن الحصول على أسلوب مبتكر يبعث فيهم الدفء، درجات الحرارة تتراوح بين 6 درجات نهاراً، وتحت الصفر ليلاً، وهطولات ثلجية تشمل معظم المناطق، هكذا يبشّر المتنبىء الجوي سكان المنطقة الجنوبية يومياً، وبالمقابل لجنة المحروقات تبشّر بأن توزيع الدفعة الثانية من المحروقات البالغة ١٠٠ ليتر قد تطول لنهاية الشهر الأول من العام الجديد، وعلى المواطن تقنين المتوفر لديه طيلة هذه الفترة، فالكميات الواردة للمحافظة تشير إلى أن نسب التوزيع ستكون مقبولة وفق تصريحات فرع المحروقات، لكن وعود الوزارة بتأمين المازوت بكميات كافية للشتاء كانت بحدود خلبية، أو قريبة منها.
عدالة ومساواة
العدالة في كثير من الأوقات لا تعني المساواة، وهذا ينطبق على توزيع مازوت التدفئة، فما تحتاجه الأسر في الريف الشرقي للسويداء لا يقل عن 200 ليتر شهرياً كحد أدنى، بينما نصف الكمية تحتاجها قرى الريف الغربي، وما تحتاجه محافظة السويداء يفوق بشكل مضاعف حاجة محافظات أخرى أقل برداً، فإذا كان المعنيون بعمليات التخصيص والتقسيم راغبين بتحقيق العدالة، فهذا يتطلب منهم تحقيق المساواة في تقاسم شدة برودة الطقس، وبالتالي لابد من دراسة واقع كل منطقة واحتياجاتها على حدة، وتأمين تلك الاحتياجات وفق الإمكانيات المتاحة بعد بذل جهود لزيادة هذه الإمكانيات ورفعها عن عتبة 200 ليتر التي دخلت أيضاً في خانة الوعود الخلبية للحكومة بسبب عدم القدرة على توزيعها إلى عتبة أعلى، لعل ذلك يخفف العبء عن باقي القطاعات من كهرباء وغاز وثروة حراجية، ويقدم بعض الدفء للأسر التي لا تملك أية حلول.
الغاز قليل
قد يكون اللجوء إلى التدفئة على الغاز أحد حلول الالتفاف على البرد، إلا أن مادة الغاز المنزلي هذا الشتاء شحيحة جداً وغير متوفرة بسهولة حتى في السوق السوداء، كما كان يحصل السنوات السابقة، ووفقاً لمصادر في فرع المحروقات بالسويداء فإن الكميات الواردة إلى الفرع من الغاز السائل تبلغ نحو 20 طناً يومياً، وهي لا تكفي سوى لإنتاج /2000/ أسطوانة غاز، بينما يبلغ الاحتياج الفعلي لسد حاجة المحافظة من هذه المادة وبشكل وسطي يبلغ نحو /6000/ أسطوانة يومياً، وبالتالي انتعشت السوق السوداء، حيث يتم بيع أسطوانة الغاز بسعر يتراوح من 4000 ليرة إلى 8000 ليرة، بزيادة تصل للضعفين عن سعرها النظامي وهو 2800 ليرة للمستهلك!.
مشاكل متفاقمة
الكثير من المشاكل ازدادت تفاقماً هذا العام، واجتمعت سوية في شتاء واحد ازدادت برودته على الأسر في ظل الفقر المتزايد أصلاً، ووصلت أسعار مواد غذائية مثل السكر، والرز، واللحمة، وزيت القلي، وزيت الزيتون، وحتى الحليب ومشتقاته، والشاي، والقهوة، والمتة إلى مستويات غير مسبوقة لأسباب متعددة، منها احتكار التجار، وارتفاع سعر الصرف، كل ذلك إضافة إلى تيار كهربائي متقطع، وتقنين جائر وغير عادل نتيجة عدم القدرة على زيادة التوليد لقلة الغاز، فضلاً عن تقنين للمياه وصل إلى أكثر من 10 ساعات في اليوم بسبب عدم توفر الكهرباء لتشغيل المضخات الرئيسية، هذه المشاكل يجدها المواطنون خانقة لهم كونها جاءت كتلة واحدة وهي متكاملة.
أساليب تقشفية
ولكن، اعتادت الأسر على البحث الدائم عن حلول، فكان لابد من دق ناقوس الخطر، وتطوير أساليب التقشف المتبعة، أو البدء باتباعها لمن لم يتبعها سابقاً، ودخول مرحلة صعبة هذا العام وفقاً للمتغيرات الجديدة في سبيل ضبط النفقات قدر الإمكان.
ومن الأمور التي اتبعتها تلك الأسر كما تقول أم تيم لضبط النفقات، تخفيض جودة الكثير من المستلزمات الغذائية، والنزول بها إلى الأصناف الأقل سعراً ولو كانت الجودة متدنية، وبخاصة في القهوة والشاي والمتة، واستبدال السمنة بالزيت، واستخدام زيت الصويا بدلاً من عباد الشمس، أو إلغاء السمنة والزيت نهائياً، والاعتماد على السلق.
هناك بعض الأسر التي تدهورت حالتها الاقتصادية بشكل كبير، وقد وصلت بها حالة التقشف إلى اعتماد أسلوب الشراء بـ “الفرط”، أي شراء المستلزمات تبعاً للحاجة اليومية فقط، ليستطيعوا ضبط النفقات قدر الإمكان، كأن يتم “شراء بـ 200 ليرة سكر وبـ 300 قهوة و500 زيت”، وهكذا، من مبدأ الشراء بالقيمة السابقة ذاتها ولو بكميات أقل، ويطال هذا المبدأ المنظفات، والمحارم، وأية مستلزمات يومية أخرى يمكن شراؤها بهذا الأسلوب، إذ توجه الكثير من الباعة أيضاً لهذا الأسلوب لتحسين حركة البيع في ظل الركود، وأصبحت بعض الأسر تعتمد على الاشتراك في شراء السلع الغذائية الرئيسية من سوق الجملة للحصول على أسعار أرخص وعروض متعددة، وبعدها تقسيم المشتريات بين الأسر، ويتم ذلك إما بشكل أسبوعي أو شهري.
ومن أساليب التكيف مع الواقع الصعب، اختصار الملابس الجديدة والاستعانة بملابس مستعملة من الأقارب أو الإخوة، ومن يمكنه الشراء بميزانية بسيطة يتوجه للأسواق الشعبية والبسطات التي باتت ملاذاً هاماً بهذه الأوقات كونها تبيع تقريباً بسعر الجملة لغياب تكاليف الكهرباء والمياه، وأجرة المحل والعمال.
واللافت أيضاً، حسب الدكتور سامر ملاك، أنه لم تعد زيارة الأطباء ضمن استطاعة كثير من الأسر، وبخاصة في فصل الشتاء الذي تكثر فيه الأمراض، وقد باتت الكثير من الأسر تعتمد التوجه إلى المستوصفات الخيرية، أو المجمعات الخيرية، أو نقاط الهلال الأحمر، أو المشافي الحكومية.
معاناة مستمرة
هذه المشاكل المتعددة ومختلفة الاتجاهات يتعامل معها الناس بالصبر والأمل بواقع معيشي أفضل، وبقرارات أكثر عائدية وحزماً، بحيث يتم تفعيل الرقابة والضرب بيد من حديد على المتلاعبين بالأسعار الذين لا يتوانون عن زيادة أعباء الناس في هذا الشتاء البارد.
رفعت الديك