الحياة الداخلية للحزب أسوأ انتخابات خيرٌ من أفضل تعيين!!
د. مهدي دخل الله
لكنها لم تكن الأسوأ، وإنما كانت انتخابات جيدة أظهر فيها البعثيون مستوى رفيعاً من الالتزام والوعي الديمقراطي. فلقد انتهت الانتخابات الحزبية على مستوى الفرق (أكثر من ثلاثة آلاف فرقة) وعلى مستوى الشعب(أكثر من مئة وسبعين شعبة)، وكانت مؤتمرات الشعب مناسبة لتقييم الحياة الداخلية للحزب وفق عدد من المعايير والمؤشرات الإحصائية:
1- نسبة حضور المؤتمرات تراوحت ما بين (70-99%)، علماً أن بعض المؤتمرات كان عدد أعضائها أكثر من سبعمئة عضو.
2- نسبة عدد المرشحين إلى العدد الإجمالي للمؤتمرين (20-30%)، وهذه نسبة جيدة ، أي أن هناك مرشحاً من كل أربعة أعضاء تقريباً..
3- نسبة مشاركة الشباب والإناث مقبولة، أما في الجامعات فكانت عالية، لأن نسبة مهمة من الجمهور الشاب موجود في الجامعات أصلاً، أما الشعب في المناطق، فهناك عدد كبير من الشباب في صفوف قواتنا المسلحة أو في الجامعات..
4- ما أثار الاهتمام والارتياح المؤتمرات في فرعي الرقة وإدلب. فقد كانت مؤتمرات ناجحة بكل المقاييس، على الرغم من الأوضاع السائدة في المحافظتين المذكورتين..
المعايير السابقة إحصائية، وهي مهمة لاشك في ذلك. لكن الأهم هو ما ينتج عنها من معايير سياسية أكدتها المؤتمرات، منها:
1- أن الحزب متماسك وقوي وله مكانة جيدة بين فئات الشعب..
2- أن هناك نضوجاً في الوعي الديمقراطي داخل صفوف الحزب، فلم تظهر أي إشكالية أثناء عمليات الترشح والانتخاب والفرز، وكان الجميع راضين عن مستوى الالتزام بالشفافية أثناء الانتخابات..
3- أن الحزب يمثّل أطياف المجتمع دون أي فئوية إيديولوجية أو مناطقية أو طبقية أو نخبوية ثقافية. فقد ضمّت المؤتمرات الفلاح والعامل والدكتور والمثقف والطالب ورجل الأعمال وابن المدينة وابن الريف وغيرهم من الفئات الاجتماعية، ولاشك في أن هذا الطيف الواسع هو واحد من أهم عوامل بقاء الحزب واستمراره منذ تأسيسه..
4- أظهرت المؤتمرات أهمية العمل الميداني للقيادات على المستويات كافة، وأهمية التواصل المباشر بين القيادات والقواعد، فأعضاء القيادة المركزية كانوا منتشرين للمشاركة في المؤتمرات، حيث أشرف كل عضو قيادة مركزية على ما بين 20-30 مؤتمراً في أنحاء سورية وجغرافيتها الواسعة..
5- لاشك في أن دافعاً قوياً أنجح هذا الحراك هو أن الأمل بانتصار سورية أصبح قوياً وسائداً بين الناس، وهذه الثقة بالنصر من أهم عوامل الوصول إلى النصر..
6- إضافة إلى هذا الدافع هناك شعور عام بأن الحزب أثبت قوته وفعاليته في هذه المرحلة الصعبة.
ولكي نكون واقعيين بعيداً عن صورة “المدينة الفاضلة” التي لا تقع إلا في الخيال، لابد من الإشارة إلى بعض السلبيات ونقاط الضعف، فالنهج الناقد هو النهج الذي يتفهم التجربة بإيجابياتها وسلبياتها، ويدفعها بالتالي إلى الأمام..
من أهم السلبيات نسبة الشباب الضعيفة في صفوف الحزب. طبعاً غالبية الشباب الحزبي موجود في مرحلة النصير، وهؤلاء لا يشاركون في المؤتمرات المحصورة بالأعضاء العاملين. لذا لابد من الإسراع في ترفيع أعداد منهم إلى العضوية العاملة.. كما أن الخطاب الحزبي للشباب بحاجة إلى عصرنة وتحديث بنيوي.
وهناك أيضاً مؤشر سلبي آخر هو الحضور النسائي الذي كان ضعيفاً نسبياً على الرغم من نسبة النساء في المجتمع التي قد تتعدى 50%. لاشك في أن المرأة مازالت في مجتمعنا أقل حضوراً من الرجال في الشأن العام، وهذا ينطبق على الأحزاب في أوروبا وأمريكا أيضاً، لكن لابد من إيجاد السبل الناجعة لتعزيز مشاركة المرأة في المؤتمرات والقيادات الحزبية..
وهناك ظاهرة أخرى هي التكتلات والاصطفافات، فيما يسميه علم اجتماع الإدارة “المجموعات غير الشكلية”، قد يقول البعض: إن هذه ظاهرة سائدة حتى في أرقى المجتمعات. صحيح، لكن هذا لا ينقص من سلبيتها، ولا يقف عائقاً أمام ضرورة تعزيز الوعي الحزبي في المستقبل لتجاوزها..
mahdidakhlala@gmail.com