تجار وقرار!؟
د. نهلة عيسى
خلافاً للسجال الدائر على صفحات التواصل الاجتماعية, حول مسؤولية الحكومة عن تردي أوضاعنا الاقتصادية, وضرورة إقالتها!؟ أنا بصدق, لست مهتمة بمن يأتي ومن يرحل, إن كان عاجزاً عن ضبط الأسواق وإيجاد حلول إبداعية لمشاكلنا المتراكمة, ولذلك همي الوحيد مربوط ببورصة التجار, وأسعارهم التي تغوّلت وتوحشّت, وسرقت الأمل من قلوبنا, واللقمة من أيدينا, والأغنية من حناجرنا, والعفوية من انتمائنا, وباتت تشعرنا أننا مجرد هوامش, وعراة وسط حشد من العيون الكارهة الشامتة!.
وإذا كان لا بد من تعداد أخطاء أصحاب القرار, رغم عقم التعداد, إلا أن أكبر الأخطاء, هو قناعتهم ومحاولة إقناعنا أنه ليس بالإمكان أفضل مما كان, وأن علينا الرضا بالعيش تحت رحمة التجار, والشطار, وبائعي الوطن بالكيلوغرام, ومدعي الوطنية بابتسامات مترفة, كابتسامات سيدات الجمعيات الخيرية, التي تخفي قرفاً, ولا تعكس رحمة أو تعاطفاً, أو حتى تفهماً لوجعنا, نحن المصلوبون على خشبة الوعي, أن الوطنية لا تعني ستر السماء بالعماء, وأن الوطن ليس خطاباً, ولا تربية عصافير وتنسيق ورود في برامج الصباح, ولا رحلة لرش الموت بالسكر, على ضفاف بحيرات الوهم, وتقزيم الخصوم وتعليق مشانقهم (لفظياً) على شاشات التلفزة الوطنية, بحجة رفع المعنويات وتحفيز الأمل, وتصبير الصابرين العارفين (أمثالنا), أن الإعدام اللفظي للفساد, لا يعدم وجوده ولا ينفيه, وأن الجوع هو الإرهاب الأخطر, لأنه كافر لا وطن له!.
خاصة, أن ترداد الحديث بحماس وببغائية يقينية, مثيرة للحنق عن النصر القادم بعد الصبر, لا يمكن أن تجعله ممكناً, ما لم يترافق هذا الحماس (على عواره) مع حرب في الداخل, لقطع أيدي أخطبوط الفساد والفاسدين في كل زاوية وركن من زاويا وأركان الوطن, مع محاسبة وعقاب كل من تلطّخت أيديهم بدماء طعامنا, وشرابنا, وصحتنا, وتعليمنا, وثرواتنا الوطنية, وكرامتنا, كحساب من تلطخت أيديهم بدمائنا, ودماء الوطن, وكرامته, وسلامته, ووحدة شعبه وأرضه!.
و إلا فسنبقى على أرصفة البرد والظلمة والهوان, تطارد الرياح ظلالنا, بينما يطارد الجوع, والادعاء, والتنطّع, والتضليل, وتحميل الجمائل, مجبراً إيانا على ردم الجرح بالجرح, واسترضاء الفاجر والتاجر, والرقص على إيقاع الناعقين كغراب البين, بعدم ملائمة الزمان والظروف والأحداث, لفتح الملفات والتدقيق في الدوافع والأهداف, والنتائج, رغم أن ذلك ليس صحيحاً, ولن يصب في مصلحة الوطن, ولا في مصلحة غده, ولن يكون منصفاً لدماء شهدائه, الذين تبرّعوا بالروح للحفاظ على روحه, وجعلوا الموت دفاعاً عنه, خياراً وليس شعاراً.
لذلك, أؤمن, أن الوقت الآن, والخسارات قد فاقت حدود المواءمة والملائمة, بحيث ما عاد شيء يدهش أو يخيف, أو يكسر ظهراً, أكثر مما هو مكسور, هو خير وقت لاتخاذ القرارات الجريئة, والخيارات الصحيحة, والحلول الممكنة, والأشخاص الأكفاء, لتحصين الوطن وزيادة منعته, ولإصلاح أعطاب الباطن والظاهر والمتوقّع, ولرمرمة البيوت والجراح, ولصق أقدام أحلامنا المقطوعة, ورتق الوجوه والملامح والمشاعر والدموع, والتوقّف عن التظاهر بالعيش فوق ضرس الموت, لأننا في بطن الموت, وإلا فإن ليل الحاضر لن يسفر عن فجر, وضوء الشمس ستحجبه فظاظة ادعاء ضرورة انتظار بدء النهار, دون أن نعرف ما المقصود بالنهار!.
أومن أن الوقت الآن, هو الوقت, وأنه في الغد ربما يفوت الأوان, إذ لم يعد هناك شيء سوى الحقيقة يجدي, لأن الحثّ على الصبر ليس حلاً, لأن الحل قرار, حتى لو كان تلطيفياً, إلا أنه سيشعرنا بأن هناك من يهتم, وهناك من يحاول, وهناك من يسعى, وهناك من يضع مصلحة الكل فوق مصلحته الشخصية, وهناك من يقول لمن اتخموا لكثرة ما التهموا من قوتنا, آن أوان “ريجيمكم” وإعادتكم إلى أحجامكم الطبيعية, وسيكون ذلك جابراً للكرامات والخواطر, وسيدفعنا جميعاً للنهوض عن تلال الرماد لمواصلة القتال, ولوضع كل النهارات الخائنة خلف ظهورنا, لأننا نحن من يقرر مصير الوطن.