دهب عتيق

أمينة عباس

على الرغم من مرور عشرات السنوات على تسجيلها وبثّها تبقى للمواد التلفزيونية القديمة المسجلة أيام التسجيل والبث بأجهزة الأبيض والأسود نكهتها ومذاقها الخاص، لذلك تعمل الكثير من القنوات التلفزيونية العربية على تخصيص برامج أسبوعية أو حتى يومية تستعيد من خلالها هذه المواد الأرشيفية التي تعتبرها المحطات التلفزيونية كنوزاً فنية حقيقية تزداد قيمتها كلما مرَّ عليها زمن وطوتها عهودها عقود، لا بل هناك اليوم فضائيات قائمة بحدِّ ذاتها على هذا النوع من المواد وتحديداً السينمائية منها، حيث تخصصت فضائيات متعددة ببثِّ الأفلام الكلاسيكية القديمة التي تعيدنا إلى مرحلة ذهبية من مراحل الإنتاج السينمائيّ العربي.
وبطبيعة الحال تهتم الفضائيات السورية باستمرار بالمواد القديمة التي يحفل بها أرشيف التلفزيون السوري فيخصص لها بين الحين والآخر برامج تتميز بأنها تُقدَّم في إطارات برامجية متعددة قلَّ أن تتشابه. ومن هذه البرامج التي برزت في الآونة الأخيرة برنامج بعنوان “دهب عتيق” الذي يطلّ علينا أسبوعياً ويبحر معنا في رحلة ممتعة عبر مواد تلفزيونية نادرة، غنائية ودرامية واستعراضية مضى زمن بعيد على بثّها، فعلى سبيل المثال استعاد البرنامج في إحدى حلقاته الأخيرة مَشاهد مختارة من المسلسل الدرامي السوري الشهير “حارة القصر” الذي عُرِض للمرة الأولى في النصف الثاني من ستينيات القرن الماضي وفيه ينقل الكاتب عادل أبو شنب والمخرج علاء الدين كوكش جانباً من الحياة اليومية لحيّ دمشقيّ مفترض كاشفَين النقاب عن العديد من الجوانب الاجتماعية السلبية التي كانت سائدة والتي لا يزال بعضها متسيداً العلاقات الاجتماعية، كما أعادت المشاهِد التي عرضها البرنامج إلى الذاكرة صورة عدد من فنانينا الراحلين الذين شاركوا في ذلك المسلسل كالفنان الكبير هاني الروماني الذي شكّل “حارة القصر” بالنسبة له منعطفاً هاماً في مسيرته الدرامية وكرّسه نجماً مطلقاً للشخصيات المركّبة والصعبة والتي توّجها فيما بعد بمسلسل “أسعد الوراق” كما أعادت تلك المَشاهد إلى الذاكرة الفنانة الراحلة مها الصالح التي جسدت في المسلسل دور الفتاة الطيبة المغلوب على أمرها، وقد كان هذا المسلسل بالنسبة إليها نقطة انطلاق باتجاه تجسيد الشخصيات الأساسية في العديد من الأعمال التلفزيونية اللاحقة والتي كان مسلسل “امرأة لا تعرف اليأس” من أهمها.
وبالإضافة إلى “حارة القصر” وما يثيره الحديث عنه وعن النجاح الذي حققه من شجون كأول المسلسلات العربية ذات الطابع البوليسيّ التشويقيّ عرض “دهب عتيق” أغنية أصيلة للفنان الأصيل سمير يزبك هي أغنية “هزّي محرمتك” التي أعادتنا إلى زمن كان التلفزيون السوري فيه موئلاً للعديد من الفنانين العرب الذين كانوا يحجّون إلى دمشق لإقامة الحفلات فيها أو لتسجيل أحدث أغانيهم في استوديوهات تلفزيونها وإذاعتها، كما ذكّر البرنامج بفرقة أمية من خلال إحدى الحفلات التي أقامتها في منصف سبعينيات القرن الماضي.. كل ذلك وغيره من الفقرات بمرافقة تعليقات من الشاعر توفيق عنداني الذي استضافه البرنامج للمزيد من الشرح والتقديم للفقرات المختارة.
“دهب عتيق” اسم على مسمى، نتمنى ألا يغيب هذا النوع من البرامج عن شاشتنا لأننا بحاجة دائمة إلى فسحة من الفن الراقي نجمّل به حياتنا وأذواقنا الفنية المتدهورة.