مازلنا عند ثقافتنا في الهجاء والعويل واللطم على الخدود…
د. مهدي دخل الله
صفقة القرن، مثل ما سبقها من خسارات عربية متوالية في فلسطين، عززت وتيرة شتائمنا لأمريكا وللصهيونية، وقوت قدرتنا على تنظيم قصائد حماسية ذات مستوى بلاغي ممتاز… مظاهرات واحتجاجات ومؤتمرات.. وتأكيدات بصوتٍ عالٍ بأن: «فلسطين عربية وستبقى عربية»…أما كيف ستبقى عربية؟ لا أحد عنده الإجابة..
والأكثر سوءاً من هذا «الفلتان الحماسي» الذي لا يسمّن، ولا يغني من جوع، هو أننا نصرف الساعات الطوال والمقالات المدبجة في وصف قضية فلسطين منذ بلفور وحتى اليوم، مرددين تفسير الماء بالماء، ومبددين جهوداً لتوضيح ما هو واضح لدى كل طفل عربي من المحيط «الهادر» إلى الخليج «الثائر»…
ليست المشكلة في الوصف والتشخيص، فقد شبعنا وصفاً وتشخيصاً. المهم اليوم هو إيجاد الدواء للمرض المشخص مليار مرة!!.. ما العمل؟… هذا هو السؤال الحقيقي الصعب!…
في الحقيقة لطالما طرحنا سؤال ما العمل، وكان الجواب جاهزاً: على العرب أن يتحدوا وأن يضعوا القضية الفلسطينية في مركز اهتماماتهم. جواب صحيح لكنه مستحيل تماماً.هذه الاستحالة دفعتنا الى الخلودللراحة ما دمنا قد أجبنا على السؤال.لكن الإجابة كانت مثل عدمها لأننا ذهبنا الى ما هو مستحيل اليوم..
الإجابة العملية على هذا السؤال التاريخي والوجودي ينبغي أن تستند الى الممكن لا إلى «لو» و«يا ليت»… بهذه الطريقة ينتقل السؤال الى: ما العمل في إطار الممكن…
كنا في الخمسينيات نتطلع الى تحرير فلسطين 48، في الستينيات ركزنا على تحرير فلسطين 67 ( الضفة والقطاع) مضافاً اليها الجولان وسيناء، في الثمانينيات تحرير لبنان، عاصمته وجنوبه…
الوضع اليوم هو الأسوأ… الوطن الكبير ينزف من أعضائه كلها، ومحور المقاومة يئن من ضربات موجعة عسكرية (تركيا) وإرهابية واقتصادية وديبلوماسية… لكنه يصمد ويتصدى..
هل في نهاية النفق بصيص نور؟.. هل في ما نعانيه من ألم مكان للأمل؟.. نتذكر جميعاً قولاً معبراً للرئيس الأسد: «نحن شعب نستولد الأمل من رحم الألم»..
النور والأمل لا يأتيان تلقائياً، ولا بالهجاء والعويل واللطم على الخدود، ناهيك عن القصائد الحماسية والمقالات المدبجة.. اليوم لا أمل إلا بهؤلاء الميامين في إدلب الخضراء، وفي جماهير شعبنا العربي الفلسطيني.. الشعب الذي يقاوم طيلة عشرات السنين ما لا يُقاوَم.
فلنتعلم من المقاومين الحقيقيين.. وخاصة من أبطالنا في إدلب الخضراء. هم اكتشفوا سر تحويل المستحيل الى ممكن، والممكن الى متاح، والمتاح الى واقع تسعد به العاطفة وتنشغل به.. لكن بعد حدوثه وليس قبل ذلك..
mahdidakhlala@gmail.com