طبــــــاق لغــــــــوي
د. نضال الصالح
الخُنْثُ لغةً: التثنّي والتكسّر، وفي الصحاح أنّ الخنِثَ، بكسر النون: المسترخي المتثنّي، وفي لسان العرب الخنثى مَن لا يخلص لذكر ولا أنثى، وتخنّثَ الرجلُ: سقطَ من ضعفه. وفي سواهما: خنُثَ الطعامُ: إذا اشتبه أمره، فلم يخلص طعمه، وفي المخصص لابن سيده “خنِثَ الرجلُ خنثاً: تكسّرَ وتلوّى”. وحسبَ العلم أنّ ثمة نوعين للخنوثة: غير مُشكل، ويُقصد به مَن ترجّحت فيه صفة الذكورة أو صفة الأنوثة، ومُشكل، ويُقصد به الذي لم تتضح ذكورته من أنوثته.
وفي علم البلاغة أنّ الطباق هو الجمع في عبارة بين شيئين متقابلين، أحدهما ضدّ الآخر، كالجمع بين السواد والبياض، والنهار والليل، والبرد والحرّ. ومستعاراً من اللغة والبلاغة كلتيهما، وممّا ليس مُشكلاً ولا غير مُشكل، وما لا يقبل القسمة على صفتين، الرجولة والأنوثة بوصفهما قيمة، وليستا صفة بيولوجية، أو امتيازاً لموصوف على آخر، عندما تعنيان التعبير عن حقيقة الموصوف، أو المطابقة بين الصفة والموصوف في الماهية والجوهر، وفي المظهر والسلوك، وفي القيم والمبادئ. أمّا مُشكلُ المُشكل فهو ما يتناسل في الواقع من صفة الخنث على غير مستوى: أنظمة سياسية خناث، ومثقفون خناثى، وكتابات خُنثى، و.. و.. حتى ليخيّل للمرء أنّ الأغلب الأعمّ ممّا حوله يحتمل التذكير والتأنيث بآن، أو هو ليس أحدهما، بل مجاز ذكورة كما هو مجاز أنوثة، أو صورة الطباق في البلاغة، أو لسان حاليهما معاً.
فباستثناءات لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة يتردّى النظام الرسميّ العربيّ في شُبهة الانتماء إلى جنس سياسي محدّد، ففي الوقت الذي يصدح في إعلامه وعلى لسان مسؤوليه بالانحياز إلى فلسطين وشعبها في الداخل والشتات يمارس نقيض ذلك بإرادة العم سام وامتثالاً لأوامره ونواهيه، وباستثناءات قليلة أيضاً تزدحم الثقافة العربية بالكتّاب الخناثى الذين لا يثنيهم شيء عن نقل البندقية من كتف إلى آخر، أو الميل باتجاه الريح حيث مالت، أو من أن يكونوا هنا وهناك في آن. وباستثناءات أقلّ يتساقط الوعي الاجتماعي يوماً بعد آخر تحت ضربات الخناثى من الناس الذين لا يضيرهم الجمع في أقوالهم وأفعالهم بين ضدين، المقدّس والمدنّس، والأسود والأبيض، والحقّ والباطل، والبارد والحارّ، والتصفيق للخلف والتنكّر للسلف من المسؤولين بعد أن كانوا يتبركون برؤيتهم، ويلتقطون الصور معهم، ويباهون بها.
مثل هذه الحال من الأنظمة الخناثى، والمثقفين الخناثى، و… من البدهي أن تنتج بالضرورة وبالقوّة والفعل ما سُمّي صفقة القرن أو ما يشبهها، ومن قبلُ ما سُمّي الربيع العربي وما يشبهه، وخيالات مثقفين أو ما يشبههم، ومجاز رجال أو مجاز نساء أو ما يشبههم أو ما يشبههنّ، ومجتمعات طاعنة في فواتها الحضاريّ وما يشبهه، وإرادات عاجزة عن إبداع الحياة أو ما يشبهها.
وبعدُ، فأيّ قول يمكن أن يُقال بعد تفسير الدميري في كتابه “حياة الحيوان الكبرى” لرؤيا الخنثى في المنام، أي حمولتها الرمزية الدالّة على عدوّ ظلوم مكايد مخالف؟!