اقتصادصحيفة البعث

على الرغم من ارتفاع عددها.. القوى العاملة غير الكفؤة خارج عملية التخطيط والتمكين.. والمراكز الموجودة تنتظر التعديلات التشريعية

 

لاشك أن ظروف الأزمة أثرت بشكل مباشر في القوى العاملة بشقيها الخبيرة ونقيضتها، حيث ترك تسرّب الخبرات الخبيرة فجوات عميقة في سوق العمل وانعكس غيابها على ارتفاع نسب القوى العاملة غير الكفؤة، ولاسيما بعد ارتفاع نسب التسرّب المدرسي وانعدام إمكانية متابعة التحصيل العلمي، وعلى الرغم من ثقل الأمر على بناء المجتمع إلا أن واقع التدريب المهني المهمل ضاعف نسب الخسارة بعدم استهداف هذه الشرائح وتمكينها بخبرات ضرورية لبناء الاقتصاد الوطني، ولاسيما أن مرحلة إعادة الإعمار ومتطلباتها تحتاج إلى زج هذه القوى في كل القطاعات وخاصة التشييد والبناء ومستلزماتها، وتحقيق معدلات نمو عالية وعكس جزء من هذه المعدلات لاستثماره في التنمية الشاملة.

ثغرات تشريعية
تعاني مراكز التدريب المهني التابعة لبعض الوزارات من غياب الاستراتيجية اللازمة لاستهداف هذه الفئات، إذ تنحصر مهامها في التدريب المهني دون ربطها بمتطلبات سوق العمل، إلى جانب غياب التشبيك مع جبهات العمل الموجودة بالتوازي مع غياب صلاحياتها باقتراح جبهات عمل جديدة، وقد تعدّ مراكز التدريب المهني المؤقتة التابعة لوزارة الأشغال العامة والإسكان المحدثة بالقانون 24 لعام 1974، المعنيَّ الأول في تنظيم هذا القطاع بمراكزها الـ11 المنتشرة في كل المحافظات، إلا أنها تعاني من إشكاليات متعلقة بتعديل البيئة التشريعية الناظمة لها، حيث بيّن مدير المراكز المهنية سامر دلال باشا أن العمل وفق القانون الحالي أفقد المراكز عدة مزايا تحفيزية من شأنها استقطاب الراغبين بالتدريب المهني، لافتاً إلى أنه تمت صياغة مشروع قرار بناءً على دراسة متطلبات المرحلة المقبلة من إعادة الإعمار بهدف تهيئة البيئة التشريعية لعمل هذه المراكز، وتضمّن المقترح أن تكون مراكز تدريب دائمة لها صلاحية التعاقد مع القطاع الخاص والعام والمشترك، كما يُكسب وزارة الأشغال العامة والإسكان الحق في إبرام اتفاقيات مع بعض الجهات لتثبيت بعض العمال، وتطرّق مشروع القرار إلى قيمة التعويض المادي الذي يحصل عليه المتدرّب خلال فترة تدريبه وكان يعتبر من المحفزات آنذاك، حيث نص القانون على تعويض المتدرب بمبلغ مئة ليرة، وتعيينه براتب لا يقل عن 250 ليرة، ونتيجة غياب العمل على البيئة التشريعية فقد الحافز أهميته وعزف الكثيرون عن الانتساب إلى هذه الدورات، لذلك تم اقتراح تعديله إلى خمسة آلاف ليرة شهرياً، وعلى الرغم من ضآلة المبلغ نتيجة التضخم الحالي، إلا أن دلال باشا أكد أن رفع التعويض من 100 إلى 5000 ليرة يعتبر تعديلاً مهماً لأنه يرتب عبئاً مالياً على وزارة المالية، ويعطى المتدرب هذا التعويض خلال فترة التدريب وفي حال استنكافه عن التدريب يغرّم بموجب القانون بمثلي ما تقاضاه، وتم تشكيل لجنة لوضع تصوّر مبدئي في ضوء ما ورد في تعديل قانون 24 لجهة إصدار الأنظمة الموحّدة لعمل مراكز النظام المالي والداخلي بما ينسجم مع المتطلبات الحالية ويسهّل الإجراءات التي من شأنها تجديد انطلاقة عمل هذه المراكز، وقد اعتمدت الصيغة النهائية في الوزارة من اللجنة المختصة وأرسلت إلى رئاسة مجلس الوزراء لاستكمال موجبات صدوره، إلا أنها لم تصدر إلى الآن.

واقع المراكز
وأوضح مدير المراكز أنه يتم التدريب على المهن الحرة المتعلقة بقطاع التشييد والبناء كالتبريد والتكييف وتمديدات الكهرباء والمياه، بالإضافة إلى مهنتي الحدادة والنجارة وغيرها، ولكن خلال الأزمة خرجت بعض من الخدمة، واتخذت مقرات مؤقتة أثرت بشكل مباشر في إقبال المتدرّبين فقل عددهم، إلا أنه لم يتوقّف عملها، وفي عام 2018 وضعت رؤية جديدة لإعادة إنعاشها وذلك بتأمين مستلزمات نجاحها من خلال العمل على ثلاثة محاور “المدرب – الحقيبة التدريبية – البيئة التدريبية”، وتعمل الوزارة على تأمين المدربين الذين تسرّبوا خلال الأزمة بالتعاون مع وزارة المالية لإعداد موازنة المراكز بعيداً عن موازنة الوزارة، وتمت استعادة مبلغ 30 مليوناً في موازنة العام الحالي عن سابقه، بموجب بلاغ صادر عن رئاسة مجلس الوزراء في نهاية العام الماضي يقضي بتخفيض نسبة ضغط النفقات من 25% إلى 10% فقط في موازنة المراكز لتلبية احتياجاتها ولاسيما بعد اعتماد إدراج ملف تدريب المسرحين من الخدمة العسكرية في تلك الدورات، وبين إجمالي الخريجين عن الدورة الأولى بلغ نحو 375 خريجاً في كل المراكز، وبلغ عدد المسرّحين فيها نحو 248 وهي نسبة جيدة، وتم افتتاح دورة ثانية في الشهر الحالي لمدة أربعة أشهر، علماً أن مدة الدورات هي تسعة أشهر، ولكن لخصوصية ملف المسرّحين البالغ عددهم 12 ألف مسرّح ضمن برنامج دعم وتمكين المسرحين، الذي يتم التعاون به مع وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، تبيّن من خلال إحصائية أعدّتها الوزارة لتحديد الفئة المستهدفة منهم أن هناك نحو 10 آلاف قابلين للتدرب في المراكز وذلك وفق شرط العمر المحدّد للانتساب إلى الدورات، وهو يتراوح بين 15 سنة ولا يتجاوز 35 سنة، لافتاً إلى أنه تمت مخاطبة وزارة المالية لتجاوز سقف العمر للمسرحين حصراً في الدورة الثانية، وبالتالي بلغ عدد المنتسبين للدورة الثانية نحو 560 كرقم تأشيري.

غياب الجهة الناظمة
لكن على الرغم من جهود المراكز في استقطاب قوى العمل غير الكفؤة لا تزال بعض المعوقات تقف حجر عثرة أمام تطور واقعها، حيث بيّن دلال باشا أن التعليم المهني يحتاج إلى بيئة حاضنة ترعى التدريب المهني والتعليم الفني في سورية وتختص بكل متطلباته كأن يتم إحداث هيئة أو جهة رسمية تماثل وزارة التعليم العالي وتُعنى بمنح شهادات رسمية توازي شهادات التعليم العالي وتأخذ مزاياها في التوظيف، إلى جانب اعتماد نظام مزاولة المهنة.

الإحصاء أولاً
يمثّل إحصاء وإنشاء قاعدة بيانات أولى الخطوات اللازمة لبداية المسار الصحيح، إذ بيّن الخبير الاقتصادي محمد كوسا أنه يجب الانطلاق من مسار إحصائي رسمي بشكل مباشر وبسرعة وله طرق استقطاب واضحة، أو بطريقة الحدس أي بمعنى التهيئة المسبقة عن طريق معرفة متطلبات الاقتصاد والمجتمع وتحديد استراتيجية ترصد توجهات الحكومة لإحداث مراكز في شتى المجالات المطلوبة، تمنح شهادات خبرة قانونية توازي الشهادات العلمية الموازية لها وتعترف بها الحكومة، إلى جانب إحداث هيئة لها سلطة قانونية لتنظيم سوق التدريب المهني والعمل على تطبيق القانون وتأمين التسهيلات الإدارية واللوجستية للحصول على التدريب المناسب، بحيث تمتلك صلاحيات لاقتراح جبهات عمل ومشاريع جديدة أو إحداث شركات أو منظمات أهلية لضمان تشغيل المتدربين بشكل حقيقي.

تعديل الثقافة
ولفت كوسا إلى أهمية العمل على تغيير ثقافة المجتمع وتوجيهها نحو أهمية التدريب المهني وإنتاج حرفيين وخبراء عمل، وإبراز أهمية العلوم التطبيقية المتوجّه إليها عالمياً في مجتمعنا، معتبراً أن الإعلام والتنمية الإدارية لهما الدور الرائد في هذا المجال لأن التنمية الإدارية هي الموجّه الأساسي للقطاع غير المنظم من القوى العاملة الذي يمثل نحو 80% من سوق العمل نحو استثمارها بالشكل العلمي والعملي الصحيح.
فاتن شنان