ثقافةصحيفة البعث

“مري وحدك” تين القلب وحنين التذكار

 

يخصص المركز الثقافي العربي بكفر سوسة شهرياً “حلقة كتاب”الغاية منها متابعة ما صدر ويصدر من كتب في المشهد الثقافي السوري للتعريف بهذه الكتب وتقديم إضاءات حولها وقد وقع الاختيار في هذا الشهر على الديوان الشعري “مري وحدك” للشاعر علي العقباني والصادر عن الهيئة العامة السورية للكتاب وبين د. راتب سكر أن المشكلة الدائمة التي يعاني منها تكمن في وجود مثقفين مستعدين لتقديم قراءات لهذه الكتب المختارة للتعريف بها وتوجيه تحية للكاتب لتشجيعه على طريق الكتابة ليكون اللقاء ذو طبيعة احتفالية، مشيراً ومن خلال إشرافه على حلقة كتاب إلى أن أغلب النتاجات الأخيرة تهتم بالرواية والقصة لذلك فإن معظم الندوات كانت في الأشهر الماضية حول الأعمال الروائية والقصة والسبب يعود برأيه إلى أن الحديث عنها أسهل من الحديث عن الشعر، لأن الأعمال الروائية والقصصية تقوم على الحكاية ومرتبطة بالواقع أكثر من القصيدة وعالمها الماورائي.

اللعبة الفنية
ورأى. راتب سكر في تقديمه لحلقة كتاب “مري وحدك” أن الشاعر علي العقباني لم يفتح أبواب القصيدة في ديوانه إلا فارساً متمكناً بعد أن وضع الأسس المناسبة لصلته بفن الشعر، مبيناً أن الديوان إشكالي يفضح اللعبة الفنية فيه وقد وقف الشاعر فيه عند خراب العالم على الصعيد الروحي وهو يحاول أن ينزع حبات التراب من تحت أظافره، وأن خبرة الشاعر في مجال المسرح والتلفزيون والسينما بعثت فيه القدرة على الترتيب الفني لبيت شعره.

الحبيبة هي الوطن
وأشارت المحامية سناء موصلي إلى أنها وبعد قراءة الديوان أن قصائد كثيرة استوقفتها لقوة جمالها وخاصة تلك التي تصف المرأة، كما أدهشتها جمالية الصور فيها والإجادة في الوصف فكل امرأة فيها لاتشبه غيرها فتارة هي قاسيون الشامخ وتارة هي القمر اللامع والطفلة المدللة والأم الحنون، وتارة هي آذار ونيسان، موضحة أن قصائد الديوان جميلة وقد قسمتها حسب عناوينها وموضوعاتها، منوهة إلى أن الشاعر استخدم عناوين اسمية أو جملة اسمية في الأغلب، أما العناوين الفعلية فكانت قليلة جداً برأيها، منوهة إلى الحكم التي أرفقها بقصائده وهي غالباً من الشاعر نفسه أو من شعراء آخرين مثل محمود درويش وابن الرومي وأدونيس، وقد فعل ذلك في كل القصائد ما عدا القصيدة الأخيرة “قصائد لها” التي خلت من أية حكمة لأن الحب برأيها لا يحتاج إليها، مؤكدة أن الغزل والهيام بالحبيبة سيطر على مجمل القصائد التي تتماهى مع دمشق لأن الحبيبة هي المأوى وهي الوطن ومتوقفة عند قصيدة “كولاج”، حيث يتحدث الشاعر فيها عن حبيبته الفراشة والعاشقين بين الأحلام والورود وقد قدم فيها الشاعر صورا غاية بالروعة والإبداع، بالإضافة إلى قصيدة أخرى استوقفتها رغم قصرها وهي “فصل المعرفة” التي لا تتجاوز السبعة أسطر لكن معانيها فاقت سبعين بيتاً.

تين القلب وحنين التذكار
ونوهت د. وجدان محمداه في البداية إلى أن قراءة النص الشعري وتحليله وتفكيكه ليس ترجمة للعمل الأدب إلى صيغة أوضح إذ لا صيغة أوضح من العمل الأدبي ذاته كما يقول رولان بارت الذي يرى أن الناقد كاتباً موازياً وبعيداً عن النقد الذي يتخذ شكل الهجاء للنص والاعتقاد أن النص مرآة لمؤلفه تعكس ذاتيته النفسية والاجتماعية والإيديولوجية وأنه على الناقد أن يعبئ دراسته بركام من المعلومات المتعلقة بسيرة الكاتب الشخصية فيتحول النص طبقاً لهذا التصور إلى مجرد شواهد تمثيلية توضيحية تشبه الشواهد النحوية، وهذا برأي محمداه ليس بنقد حقيقي فهي اعتمدت في قراءة الديوان منهج الجمال الذي لا يعتمد البحث عن العيوب وفحص أفكار المؤلف بل الاهتمام بمواطن الجمال وهذا معنى النقد الحقيقي بحسب شاتو بريان، من هنا تحدثت عن العنوان “مري وحدك” الذي يختزل حكاية حوارية مع الحبيبة وقد أجاد في هذا الشاعر علي برأيها فهو أراد الحبيبة أن تمر “وحدها” متحررة من القيود الاجتماعية لكي تتاح له حرية التعبير ويخبرها حكاية الشوق والحنين والحب والجنون والغياب والفراق لتصل الحبيبة إلى العنوان ولتسمع رسائله المؤجلة وهذا ما أجابت عنه قصيدة “الأسئلة المحترقة”:
“نعم ستأتي أعرف أنك خلف الباب الذي لا أريد أن أفتحه فقد أغلقت باب الحنين بمفتاح الغياب” مبينة أن سر جمالية النص في التضاد بين اللوحتين لوحة الحضور والغياب: لوحة الحب وإشراقه ولوحة الحزن ووجعه، ومنوهة إلى أن هذا التعبير عن المشاعر فقط للمتصالحين مع ذواتهم وشاعرنا واحد من المتصالحين مع ذاته لذلك نراه يقول: الحب يعطي مساحة للغفران، مؤكدة أن للشاعر حضوره في فضاء النص الشعري بوصفه إنساناً متميزاً موهوباً وكائناً اجتماعياً تنهض فيه إمكانية التفرد:
أنا شاعر الفرح والحب والألم/شاعر الغياب والفراق والارتياب
أما ذاكرة المكان فحاضرة وبقوة في شعره وهي برأي محمداه تشد المتلقي وتجره إلى اللعبة السردية وكيف لا وللشام سلطتها وقد هيجت وتين القلب وحنين التذكار:
تلمين ياسمين روحي من شوارع الشام حبة حبة/ تغادرين الأرصفة والسور والشوارع والذكريات.
كما وقفت د. محمداه عند قصيدة تاء التأنيث المتحركة للحديث عن حضور المرأة في شعر العقباني وهو حضور بهدف الارتقاء بها إلى واقع أفضل مؤكدة على أن إبحار الشاعر المنتشي في متاهات الحب والحنين والذكريات والغياب قد راق لها بتجاور الخطاب الشعري والنثري تجاوراً وجدانياً جسد المشهد بطريقة تعتمد على ضروب من الأسئلة والتصوير والإيحاء.

التفعيلة والنثر
أما الشاعر العقباني فقد أشار إلى أنه حاول في هذا الديوان أن يجمع ما بين شعر التفعيلة والنثر وهو يسعى دوماً لكتابة القصيدة النثرية وان كان يدرك أن كتابتها ليس أمراً سهلاً، وحول عنوان الديوان “مر وحدك” أوضح أن العنوان إما أن يقودنا للمحتوى أو أن يكون مفتاحاً لعوالم أخرى تدفعنا مع كل نص للبحث عن: “أين وكيف ولماذا” وهو كشاعر اختاره فلا قصيدة في ديوانه تحمل هذا العنوان.
أمينة عباس