دراساتصحيفة البعث

الجيش السوري يحطم حلم العثماني الجديد

هيفاء علي

حقّق الجيش العربي السوري في الآونة الأخيرة سلسلة من الانتصارات في ميادين المعارك، في ريفي حلب وإدلب، وآخرها تحرير غرب حلب بالكامل لتصبح مدينة حلب ومحيطها آمنة بعد ثمانية أعوام من وقوعها تحت سيطرة الإرهابيين.
كان لابد من أن تستعيد الحكومة السورية السيطرة على طريق دمشق حلب M5 والطريق السريع M4 الذي يربط بين اللاذقية وحلب، لأن إحياء هذين المحورين الأساسيين سوف ينعش الاقتصاد السوري بعد تسعة أعوام من الحرب المستعرة. كان الجيش السوري قبل ذلك قد استعاد السيطرة على مدينتي سراقب ومعرة النعمان، أكبر منطقتين في إدلب، ما أثار جنون رئيس النظام التركي رجب طيب أردوغان، العثماني الجديد، وبدا كمن يمضي إلى الانتحار جراء استمراره في دعم الفلول المتبقية من تنظيم القاعدة في سورية ليجد نفسه في مواجهة خيارين: إما الانسحاب مذلولاً أو المواجهة مع الجيش العربي السوري.
منذ البداية حنث أردوغان بكل وعوده التي أطلقها خلال اتفاق سوتشي مع روسيا الذي تمّ إبرامه عام 2019، حيث ينصّ على التزام تركيا بضمان خروج الجماعات الإرهابية من منطقة خفض التصعيد، إلا أن النظام التركي لم يفِ بالتزاماته، بل على العكس زاد من دعمه لتلك الجماعات بالسلاح والعتاد والجنود، واستقدم تعزيزات عسكرية إلى المناطق التي احتلتها قواته الى جانب ما يُسمّى “هيئة تحرير الشام” التي تدعمها تركيا منذ بداية الحرب على سورية.
لم تتقبل أنقرة فكرة استعادة الجيش السوري السيطرة على اوتستراد M5 الذي كان تحت سيطرة الإرهابيين المدعومين من قبلها منذ عام 2012. ويفسّر نظام أردوغان احتلاله العسكري للأراضي السورية في إدلب “بحماية بلاده من تهديد الميليشيات الكردية”، ليبرّر إرساله تعزيزات عسكرية إضافية إلى “مراكز المراقبة”. في حين أن الحكومة السورية مصمّمة على تحرير كافة الأراضي السورية من رجس الإرهاب ومن قوات الاحتلال الأجنبي، التركي والأمريكي على حدّ سواء، لأنه احتلال يرمي إلى حماية من تعتبرهم “المقاتلين المعتدلين” الذين يقاتلون من أجل “الديمقراطية” والذين استبعدتهم موسكو بشكل حاسم من مذكرة سوتشي.
عند التمعن في الحقائق على الأرض وفي السماء، يتضح أن موسكو ودمشق تسيطران على المجال الجوي فوق إدلب، وتقوم طائرات سو- 34 النفاثة بدوريات في كامل شمال غرب الأراضي السورية، ولدى موسكو سفن حربية مزوّدة بصواريخ كروز منتشرة في شرق البحر الأبيض المتوسط، إضافةً إلى أن الجيش السوري يحاصر “نقاط المراقبة” التركية في شمال وشرق وجنوب إدلب، ولم يبقَ سوى طريق واحد أمام الأتراك للانسحاب هو عبور الحدود إلى باب الهوى.
ولمواجهة هذا الوضع المتأزم، سارع أردوغان إلى التماس وقف التصعيد مع بوتين، لكن الخطوط الحمراء بالنسبة لموسكو ثابتة وهي: سيتمّ تحرير الطرق السريعة (وفقاً لاتفاقية سوتشي)، وبالتالي لا يستطيع السلطان العثماني الجديد الدخول بمواجهة مع روسيا، لذا هو يناور ويخادع لسببين: إما لأن واشنطن تجبره على القيام بذلك، أو لأن نظام أردوغان يريد حفظ ماء وجهه.
يبدو الخيار الأول هو الأكثر منطقية، حتى لو كان أردوغان مضطراً في الواقع إلى مواجهة موسكو التي وقع معها عقوداً اقتصادية وطاقة مهمة للغاية. وأردوغان يعلم أن عصابة من الإرهابيين، و6000 جندي تركي محبطين ليس لديهم أي فرصة للربح في مواجهة الجيش السوري وحلفائه، ذلك أن سورية وروسيا تتحكمان بالسماء والمدفعية التركية لا يمكنها ببساطة الدخول إلى إدلب، ناهيك عن خطوط الإمداد الكبيرة.
إذن ما الذي يفعله أردوغان؟ ما يحدث هو أن شبكة “الإخوان المسلمين” التي يديرها أردوغان هي التي تعمل في إدلب، وهو يعلم أن سورية انتصرت في حرب الوكلاء المستعرة والمستمرة منذ تسع سنوات وتستعيد كامل أراضيها السيادية وقد حسمت الأمر، ولا عودة إلى الوراء. وهنا لابد من التذكير بأن خطة النظام التركي بدأت في القرن الحادي والعشرين، عندما قام وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو بتدوين العثمانية الجديدة، وكان لديه فكرة أن شرق الأناضول لم ينته عند الحدود مع أرمينيا وإيران، بل امتد إلى الساحل الغربي لبحر قزوين، والأناضول الشرقية لا تنتهي عند الحدود مع العراق وسورية، ولكنها تمتد إلى الموصل.
وقال داود أوغلو: “إن الشرق الأوسط يجب أن يكون الفناء الخلفي لتركيا، وأن سورية ستكون البوابة الذهبية التي من خلالها تستعيد تركيا الشرق الأوسط”.
كل هذه الخطط المفصلة أصبحت الآن في مهب الريح، لكن الصورة الكبيرة ستبقى وهي أن الولايات المتحدة مصمّمة لمنع الوحدة الأوروبية الآسيوية، والشراكة الإستراتيجية بين روسيا والصين للوصول إلى طرق الشحن، خاصة في البحر المتوسط مروراً بسورية وإيران.
أما الصورة المصغّرة فتبدو أكثر تعقيداً، إذ من الصعب على أردوغان تقبل فكرة هزيمة قواته المحتلة على أيدي الجيش العربي السوري، وبالتالي تقبّل فكرة سقوط العثمانية الجديدة.