كابوس أردوغان.. مجرد بداية!!
في سراقب، لقّنت القوات المسلحة السورية ” ثاني أكبر قوة عسكرية في حلف شمال الأطلسي” درساً قاسياً، وأوقف الجيش السوري، الذي يفترض أنه منهك بصراع مستمر منذ حوالي 10 سنوات، محاولات تركيا للاستيلاء على المدينة، وقطع الطريق السريع M5.. وكل ذلك، دون أن تتجاوز استجابة النظام الأردوغاني حدود إطلاق سلسلة جديدة من التصريحات “الانتصارية”.
والواقع، وبعد بضعة أيام من التأكيد بأن قواته قد هزمت بالفعل جيش “النظام”، وأنها سرعان ما ستدخل مدينتي دمشق وحلب، ها هو الطاغية التركي يحط اليوم في موسكو مستجدياً وقف إطلاق النار أو هدنة مؤقّتة جديدة. “أمنيتي الوحيدة هي وضع حد لهذه المعركة، ومنع المزيد من سفك الدماء، والفوز بوقف دائم لإطلاق النار”.. هذا ما قاله المتزعم الإخواني أمام مسؤولي حزب العدالة والتنمية، في محاولة منه للتركيز، بعد هزيمة سراقب، على إبرام أي اتفاق من شأنه وقف الزحف السوري إلى إدلب المدينة، المعقل الرئيسي لتنظيم القاعدة، وآخر مركز حضري لاتزال المجموعات الإرهابية تسيطر عليه في المنطقة، ذلك أن أردوغان يدرك تماماً أن تحرير إدلب سيدمّر كل أطماعه وتطلّعاته، وسوف يطيح بها نهائياً، وأن إدلب تكاد تتحوّل إلى مقبرة شخصية وسياسية له، ولحزب العدالة والتنمية، ولمشروع السيطرة الإخوانية على المنطقة.
ورغم أن أي “تفاهم”، أو “اتفاق” جديد، يمكن أن يتمخّض عن لقاء اليوم، سينهي رسمياً أهداف أردوغان المعلنة بـ “طرد جيش النظام” من المناطق التي كان حرّرها مؤخراً، والعودة إلى ما وراء نقاط المراقبة التي كان جرى الاتفاق بشأنها داخل منطقة خفض التصعيد الرابعة، كما سيقضي على الأهداف المواربة حول “تشكيل منطقة آمنة” بالاتفاق مع “ألمانيا ميركل” خاصة، إلا أن جوقة أردوغان ووسائل إعلامه لن تتحدّث غداً، وكما جرت العادة، إلا عن انتصار آخر “دبلوماسي هذه المرّة!!”. وسوف تكرّر بصيغة أخرى قصة الأرقام الخرافية لنتائج المعارك في أرياف إدلب، والتي كان من الأجدى عدم تقديمها، على الأقل حفاظاً على ماء وجه الطاغية ووزير حربه شخصياً.
مع ذلك، فإن أي “اتفاق”، أو “تفاهم”، لن يوقف جهود مكافحة الإرهاب التي يقوم بها الجيش العربي السوري وحلفاؤه في الشمال الغربي من سورية، وهو ما أسمعته الدبلوماسية الروسية، بدورها، ومراراً، وبملء الصوت، على امتداد الأيام الماضية، حين كان أردوغان ينتظر، وسط الإحباط، الـ “OK” البوتينية على دعوته لـ “قمة” عاجلة كان يريدها رباعية، إلى جانب كل من فرنسا وألمانيا، في محاولة لخلق مسار مواز، أو بديل، لمسار سوتشي، قبل أن يرضخ للحقائق الميدانية الجديدة.
لقد أكدت تطوّرات وأحداث الأسبوع الماضي المخاوف والتوقّعات حول سياسة انتحارية دفعت بالرئيس التركي إلى ذروة اختبار استعداد موسكو للمجازفة العسكرية، قبل أن يواجه بالفشل، ومحاولته تشديد الضغوط على الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو وابتزازهما بشكل سافر في ملفي الهجرة والمساعدة العسكرية، ولكنه أخفق أيضاً، إذ لم يعثر إلا على رغبة أمريكية وإسرائيلية بدفعه إلى الحرب، وابتزازه مرة ثانية وثالثة، ليجد نفسه عالقاً، أخيراً، في “السيناريوهات الأسوأ” التي كان توعّد الروس بها، وخمّن أنهم لن يجازفوا بخوضها، ليستفيق على فخ انغلق عليه وحده خارجياً، وطرحه معزولاً داخلياً، حيث خرج عشرات آلاف من الأتراك في أنقرة وإسطنبول وإزمير والعديد من المدن والمحافظات الأخرى، إلى الشوارع، لجمع التواقيع من المواطنين الذين يعارضون التدخل التركي في سورية.
ما هو واضح اليوم هو أن هناك تغيّراً هائلاً تحقّق على صعيد موازين القوى، ولكن الواضح أيضاً أن أردوغان يرفض حتى الآن إدراك أبعاد ونتائج “أمّيته” السياسية والأمنية. لقد خسر اتفاق خفض التصعيد الذي شكّل بالنسبة له الخيار التكتيكي الأفضل الذي مكّنه، قرابة العام ونصف العام، من دعم مجموعات الإرهاب الدولي بعيداً عن المساءلة المباشرة، وأن ما ستركّز عليه قواتنا المسلحة العربية السورية لن يكون بالتأكيد أقل من تثبيت مكاسبها الميدانية، وأن سحب نقاط المراقبة التركية التي أقيمت بموجب اتفاق 2018، إلى ما وراء الطريقين الدوليينM5 وM4 ، سيكون في صدارة أولوياتها، كما هو متوقّع، وما جرى هو أن الجيش التركي خسر مراقبته لهما نهائياً.
لماذا يموت الجنود الأتراك في سورية؟ تساءل الرئيس الأسد.. لماذا يموت جنودنا في إدلب؟ يصرخ النواب الأتراك داخل البرلمان يوم أمس!! لقد تحولت المغامرة العسكرية التركية في سورية إلى كابوس أردوغاني.. وتلك بداية ليس إلا!!.
بسام هاشم