حزب جديد في تركيا يؤسس لعزل أردوغان
من المتوقّع أن يتعرّض حزب “العدالة والتنمية” الحاكم في تركيا إلى هزّات تضعف شعبيته مع ولادة حزب جديد من رحمه بزعامة وزير الاقتصاد السابق علي باباجان، وهو ثاني حزب يولد من رحم أزمة عاصفة تشقّ الحزب، الذي يتزعمه رئيس النظام التركي رجب طيب أردوغان.
وقد أطلق باباجان، حليف أردوغان السابق، أمس، رسمياً في حفل نظّم بالعاصمة التركية حزبه الجديد تحت اسم “الديمقراطية والتقدّم” (ديفا)، والتي تعني بالتركية الشفاء. ويدعو الحزب إلى تبني نهج جديد للاقتصاد والحقوق الديمقراطية قائلاً: “لقد حان وقت الديمقراطية والتقدّم في تركيا”.
ويقول ناقدون: إن أردوغان أضرّ بالحقوق المدنية خلال حكمه المستمر منذ 16 عاماً، وأبدوا قلقهم بشأن السلطات الواسعة الممنوحة له بعد الإصلاحات الدستورية، في الوقت الذي فتح فيه أيضاً أكثر من جبهة صراع خارجية أثقلت كاهل تركيا وسممت علاقاتها الخارجية مع الحلفاء والشركاء. وقد يكون أردوغان قد حقق بعض المكاسب من حروبه الخارجية وفي معركة التنقيب عن النفط والغاز في شرق المتوسط ومعركة المهجّرين مع أوروبا، إلا أنها مكاسب شخصية وليست وطنية، فقد أضرّ بسمعة تركيا ودفعها إلى هوة سحيقة اقتصادياً وسياسياً، فغيّب دولة القانون والحريات وفاقم الانقسامات الداخلية في مجتمع كان يعرف قبل توليه الحكم بتماسك نسيجه رغم الاختلافات العقائدية والسياسية.
وشهد الاقتصاد التركي ازدهاراً عندما كان باباجان (52 عاماً) يتولّى وزارة الاقتصاد (2002-2007) عندما وصل حزب العدالة والتنمية إلى السلطة لأول مرة. وكان له الفضل في تقوية شوكة أردوغان، وبعد ذلك أمضى عامين وزيراً للخارجية، وكان نائباً لرئيس الوزراء في الفترة ما بين 2009 و2015.
واستقال باباجان من حزب العدالة والتنمية في تموز 2019 بسبب “الخلافات العميقة” بشأن السياسة، إلا أنه في كلمته التي استغرقت 90 دقيقة، أمس، لم يتطرّق إلى أردوغان بالاسم، لكنه وجّه انتقادات مبطنة ودعوات إلى دستور جديد يضمن فصل السلطات والحريات الديمقراطية ودعوات إلى خفض الخطاب الاستقطابي وإنهاء الاستغلال السياسي للدين. كما سلّط الضوء على الضغوط على الصحافة والشباب “الراغبين في استخدام تويتر دون خوف”.
ووجّه باباجان، خلال كلمته، العديد من الرسائل السياسية، مؤكداً على الصعيد الداخلي “وجود مشاكل عديدة في الداخل وعلى جميع المستويات السياسية والاقتصادية، بالإضافة إلى شرخ اجتماعي حصل بسبب الأداء السيئ للحكومة”.
ومنذ استقالته من حزب العدالة والتنمية، قال باباجان: إنه لا يدعم التغيرات الدستورية التي جرت الموافقة عليها في استفتاء 2017، والذي استبدل الديمقراطية البرلمانية برئاسة تمتلك جميع السلطات.
ويقول خبراء: إن باباجان يأمل في استقطاب الناخبين المحافظين، الذين يصوّتون عادة لحزب العدالة والتنمية، وكذلك الأشخاص القلقين بشأن الاقتصاد عقب أزمة العملة في 2018.
كما أطلق حليف أردوغان السابق رئيس الوزراء السابق أحمد داود أوغلو حزبه “المستقبل” في كانون الأول 2019. وكان قد اختلف مع أردوغان واستقال من رئاسة الوزراء في أيار 2016.
وانتقد أردوغان باباجان، محذّراً من تقسيم “الأمة” وسبق له أن اتهم باباجان وداود أغلو بـ”الخيانة”، مهدداً بأن المنشقين سيدفعون الثمن.
ولم تستبعد مصادر محلية تشكل جبهة سياسية من حزب باباجان وداود أغلو وربما التحالف مع أحزاب معارضة، مثل حزب الشعب الجمهوري وأيضاً حزب الشعوب الديمقراطي، لعزل أردوغان.
وينتقد المنشقون عن حزب العدالة والتنمية، ومن ضمنهم باباجان وداود أغلو، تفرّد أردوغان بالقرار والتسلّط في ادارة الحزب والدولة، وطريقة تصفية خصومه السياسيين سواء من داخل الحزب أو من خارجه، كما يرى هؤلاء أن سياسات أردوغان أضعفت تركيا وأقحمتها في معارك وخصومات مجانية مع الشركاء الغربيين والعرب.
وسبق لداود أغلو أن انتقد بشدة سياسات أردوغان، مشيراً إلى أنه في السابق كانت الحكومة تعتمد على مستشارين وخبراء في الاقتصاد والسياسة لضبط إيقاع الشؤون الاقتصادية والنقدية والحفاظ على علاقات خارجية متوازنة، لكن أردوغان انحرف عن هذا المسار بالاستبداد بالرأي والقرار.
وتئن تركيا حالياً تحت وطأة تركة ثقيلة من المشاكل الاقتصادية والسياسية بفعل التدخلات الخارجية، ويتهم الخصوم أردوغان بأنه يدفع تركيا للهاوية، منتقدين أيضاً إرسال الجنود الأتراك إلى القتال لأهداف شخصية لا قومية ولا وطنية، كما يزعم أردوغان.
وكان حزب العدالة والتنمية بزعامة أردوغان شهد العام الماضي عدة انشقاقات، أبرزها استقالة باباجان واستقالة داود أوغلو، في وقت تشهد فيه تركيا أزمة اقتصادية حادة، مع انخفاض قيمة الليرة وتزايد معدل البطالة والتضخّم وارتفاع الأسعار.