الصفحة الاولىصحيفة البعث

سياسات أردوغان تقلّص شعبية “العدالة والتنمية”

 

البعث- وكالات:
أدت التقلّبات السياسية والأزمات الاقتصادية المتناثرة، التي تعيشها تركيا في السنوات القليلة الماضية تحت إدارة رجب طيب أردوغان، إلى تآكل قاعدة حزب العدالة والتنمية الحاكم بما يقلّص حظوظ فوزه في الانتخابات البرلمانية القادمة، فيما تعالت الأصوات الأوروبية المطالبة بوضع حد لابتزازات النظام التركي في مسألة المهجّرين.
وفي هذا الإطار يقول المستشار السياسي إبراهيم أوسلو المدير السابق لشركة أنار للأبحاث: “إن فوز تحالف الجمهور المكوّن من حزب العدالة والتنمية الحاكم وحزب الحركة القومية في انتخابات عام 2023 يبدو خارجاً عن دائرة الاحتمال في الظروف السياسية الحالية”، وتابع: “إذا أخذنا بالنظر إلى الأجواء السياسية التي تسود في البلاد اليوم، فإن فوز حزب أردوغان لا يبدو ممكناً”.
وأكد المستشار السياسي، القريب من النظام التركي، تراجع شعبية حزب العدالة والتنمية بشكل مستمر منذ 2015، متحدّثاً عن فقدان الحزب الأغلبية البرلمانية المطلوبة لتشكيل حكومة بمعزل عن بقية القوى السياسية.
وتراجعت شعبية حزب العدالة والتنمية نتيجة لسياسة أردوغان، التي تجاوزت أولويات تركيا وقدراتها، حيث أنهكتها التدخلات العسكرية المجانية في أكثر من دولة، فضلاً عن ممارسات القمع التي تمارس على المعارضين، وهو ما خلق حتماً حالة من الاستياء في صفوف الأتراك من سياسات أردوغان، التي تسببت أيضاً في انكماش الاقتصاد وانهيار الليرة وارتفاع التضخم وتفاقم نسب البطالة.
ويعيش الاقتصاد التركي منذ أكثر من ثلاث سنوات أزمة حادة، تعمّقت بفعل العداءات المجانية التي خلقها أردوغان تجاه الدول الغربية ودول الجوار بالاتحاد الأوروبي، وخوضه في أكثر من جبهة معارك، سببت خسائر عسكرية قاسية لقواته، ولاسيما في معركة إدلب.
وسجّلت الليرة التركية مراراً تراجعاً حاداً لتبلغ أدنى مستوياتها في شباط الماضي، فيما يستمر العدوان التركي على إدلب وطرابلس في إثارة قلق المستثمرين.
ومن المنطقي أن يخلق الركود الاقتصادي حالة من الاستياء والغضب بين المجتمع التركي، الذي من المرجّح أن يحمّل مسؤولية ذلك إلى الحزب الحاكم، بما يؤدي إلى تراجع شعبية قياداته.
وفي هذا السياق أشار أوسلو إلى أن نزيف العدالة والتنمية سيتواصل في الفترة المقبلة، وقال: “يصعب التنبؤ بالظروف والتوقيت التي ستتوجه تركيا في ظلها لإجراء الانتخابات العامة في عام 2023، إلا أن الظروف الحالية تدل على أن فوز حزب أردوغان بات خارجاً عن دائرة الاحتمال”.
وهنا يواجه حزب أردوغان، الذي يعيش منذ نحو سنتين على وقع انشقاقات في صفوف أبرز مؤسسيه وقياداته رفضاً لسياسات الحزب التي لا تتماشى مع احتياجات تركياً اقتصادياً وأمنياً وسياسياً، شبح الخسارة والانتكاسة في الانتخابات القادمة.
يذكر أن أردوغان خسر في الانتخابات البلدية لعام 2019 أبرز معاقله في أنقرة واسطنبول، ما يعكس تراجع شعبية أردوغان في أول اختبار حقيقي يسبق الانتخابات البرلمانية.
ونالت المصاعب الاقتصادية التي توسعت عقب انهيار الليرة من قاعدة تأييد أردوغان، ومن شأن تآكل شعبية الرئيس التركي، ولو كانت قليلة أن تضر بحزب العدالة والتنمية، ويعزز فرضية اتجاه الحزب التركي الحاكم نحو الانتكاسة في انتخابات 2023، ظهور أحزاب جديدة منافسة تقودها أبرز القيادات المنشقة عن العدالة والتنمية، أمثال نائب رئيس الوزراء التركي السابق علي باباجان، الذي قدّم مؤخراً حزبه السياسي الجديد.
وكان رئيس وزراء تركيا السابق أحمد داود أوغلو، الذي كان في وقت ما أقرب حليف لأردوغان، قد أعلن بدوره في تشرين الثاني الماضي حزبه المنافس في الانتخابات المرتقبة.
ويؤدي هذا إلى تآكل حزب العدالة والتنمية أمام سعي المنشقين عنه لتصحيح المسار السياسي ولتشكيل جبهة سياسية منافسة للحزب الحاكم والقطع مع سياسات أساءت لتركيا سياسياً واقتصادياً.
في الأثناء، يستمر النظام التركي في اعتقال منتقديه ومعارضيه، ضمن حملة اعتقالات ممنهجة تثير تنديد المنظمات الحقوقية، لما تعتبره حملات قمع لها دوافع سياسية يشنها النظام التركي ضد المجتمع المدني.
وقالت شرطة اسطنبول: إنها ألقت القبض على رجل الأعمال التركي مبارز مانسيموف قربان أوغلو، الذي يحمل أيضاً جنسية أذربيجان، في واحدة من أهم عمليات الاعتقال ضمن حملة ضد المشتبه بصلتهم بشبكة متهمة بتنفيذ محاولة انقلاب في عام 2016.
وقربان أوغلو هو مؤسس ورئيس مجموعة بالمالي، التي تتخذ من اسطنبول مقراً لها، وتشغّل أسطولاً للشحن.
وقالت الشرطة ووكالة الأناضول للأنباء الناطقة باسم أردغان: إنه تم اعتقال قربان أوغلو في مطلع الأسبوع، وإن محكمة أصدرت أمراً رسمياً بالقبض عليه لصلاته مع شبكة رجل الدين المقيم في الولايات المتحدة فتح الله غولن.
وتم تفتيش منزل قربان أوغلو ومجموعته، التي لم يتسن الحصول على تعليق من أي من العاملين فيها، فيما قالت وكالة الأناضول: إن محكمة اسطنبول أمرت باستمرار حبسه بتهمة الانتماء لمنظمة “إرهابية”.
وقدّرت مجلة فوربس ثروة قربان أوغلو في عام 2015 بمليار و300 مليون دولار، وتشمل استثماراته منتجات الألبان ووسائل الإعلام والمنتجعات والطائرات وكذلك أسطول ناقلات.
وفي حملة التطهير المستمرة منذ ثلاث سنوات، بعد محاولة الانقلاب، سجن النظام التركي أكثر من 77 ألف شخص انتظاراً لمحاكمتهم، وعزل أو أوقف عن العمل نحو 150 ألفاً من موظفي الحكومة وأفراد الجيش وغيرهم، فيما انتقد حلفاء غربيون لتركيا ومنظمات حقوقية الحملة الموسعة قائلين: إن رأس النظام يتخذ من محاولة الانقلاب ذريعة لسحق معارضيه.
وباتت تركيا اليوم من أكثر بلدان العالم التي تشن حملات اعتقال بحق أتراك، تحت ذريعة الاشتباه في صلاتهم بجماعات إرهابية، حيث طالت حملات القمع الصحفيين والسياسيين وكل من ينتقد سياسات أردوغان.
وذكرت مصادر إعلامية تركية أن عدد الصحفيين المعتقلين بالسجون هو الأعلى عالمياً، مع تراجع مستمر لقطاع الإعلام منذ محالة انقلاب 2016.
وأثارت عمليات القمع المستمرة تنديداً دولياً، فيما تحتل تركيا المرتبة الـ157 من أصل 180 في ترتيب حرية الصحافة لعام 2019 الذي وضعته منظمة “مراسلون بلا حدود”.
واتسعت دائرة القمع في تركيا بعد عناصر من الجيش وإعلاميين، لتشمل سياسيين ومفكرين وفنانين، حيث بلغ عدد رؤساء البلديات الذين أوقفهم النظام التركي 24 منتمين لحزب الشعوب الديمقراطي، ويقبعون قسراً بالسجون بناءً على اتهامات ومزاعم تقول بأنهم على صلة بالإرهاب، كما عمد النظام التركي تكريساً لاستبداده إلى اعتقال كتّاب متهمين في عملية الانقلاب.
بالتوازي، طالبت رئيسة حزب الخضر الألماني، أنالنا باربوك، المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بممارسة الضغط اللازم على أردوغان لأجل التوصل لحل بالنسبة للتعامل مع المهجّرين، بعد أن فتحت أنقرة حدودها أمامهم لدخول دول الاتحاد الأوروبي، في خطوة استفزازية بحثاً عن دعم أوروبي لتدخلاتها العسكرية في المنطقة.
وقالت باربوك: إنها تتوقّع إصدار “بيان واضح تماماً من جانبي المستشارة والرئيس الفرنسي”، وأضافت: “يتعيّن على الأوروبيين أن يظهروا بشكل واضح للغاية لأردوغان أنه يتعيّن على تركيا السيطرة على حدودها والتوقّف عن جعل المهجّرين أداة للعب”.
وحاول عشرات الآلاف من المهاجرين دخول اليونان العضو بالاتحاد الأوروبي، بعد أن قال النظام التركي يوم 28 شباط: إنه لن تبقيه على أراضيه وفقاً لاتفاق أبرمه مع بروكسل في 2016 مقابل مساعدات من الاتحاد الأوروبي.
ودعا الاتحاد الأوروبي تركيا إلى وقف المهاجرين من أفغانستان وباكستان وأفريقيا الذين يحاولون عبور الحدود.