دراساتصحيفة البعث

الأمريكيون يدفعون الثمن باهظاً

ترجمة :هيفاء علي

عن موقع أسيا تايم 4/4/2020

 تعيش الولايات المتحدة في حالة حرب بشكل مستمر تقريباً منذ تأسيسها في عام 1783. بعض هذه الحروب لم يتم الإعلان عنها، مثل الحرب التي تم فيها القضاء على الهنود الأمريكيين منذ قرون، بينما تم تمجيد حروب أخرى مثل الحروب المكسيكية والأمريكية الإسبانية، بإدراج أسماء الدول التي هزمتها آلة الحرب في واشنطن. الحرب الأكثر دموية في أمريكا تحمل عدة أسماء: الحرب الأهلية الأمريكية ، أو الحرب بين الدول ، حرب التمرد ، أو حرب العدوان في الشمال ، مما يسمح بالاختيار بناءً على التفضيلات السياسية .

في الآونة الأخيرة، تمت تسمية الحروب في كوريا وفيتنام بأسمائها ، في حين أن الصراعات الحالية في سورية والعراق وأفغانستان ليس لها أسماء. أصبح من الخطأ سياسياً تسمية الحرب بحسب جماعة عرقية أو دولة مثلما كان سائداً قديماً. وقد قوبل نقص هذه الأنواع من الحروب إلى حد ما بزيادة عدد الحروب المجازية لتشمل الحرب على المخدرات ، والحرب على الفقر والحرب على الإرهاب.

اليوم،  يواجه الأمريكيون ما يمكن تسميته حربا ضد “كورونا فيروس”،  تأتي هذه الحرب بعد أن أعلن ترامب نفسه “رئيساً في زمن الحرب” عقب انتخابه، حيث صرح أنه يستعد لبدء الاقتصاد بـ 2.2 تريليون دولار ، معظمها سيذهب إلى المستفيدين اللصوص الذين يشكلون الطابور الخامس وإلى الشركات الجشعة التي ستبذل قصارى جهدها لاستخدام الأموال لزيادة قيمتها للمساهمين المحتملين.

هذا المبلغ 2.2 تريليون دولار يفوق بكثير تكلفة حرب فيتنام (1 تريليون دولار) ، على الرغم من أنها بعيدة عن 5-7 تريليون دولار التي اقترضتها الإدارات الأمريكية لتغطية تكلفة حروبها على مدى 20 عاماً في أفغانستان والعراق. ولكن بالنسبة لأولئك الذين يهتمون فقط بأن يكونوا رقم واحد ، وعد ترامب بتريليونات أكثر،  ما يعني أن الحرب ضد فيروس كورونا قد ينتهي بها الأمر إلى أن تكون أكثر الحروب تكلفةً في التاريخ الأمريكي. بالإضافة إلى ذلك ، هذه ليست سوى التكلفة المباشرة للحكومة الفيدرالية، ذلك أن السلطات القضائية المحلية هي الأخرى تنفق المليارات. سيكون للفيروس التاجي تأثير مدمر على الاقتصاد ويهدد بإحداث أضرار مباشرة لمجتمعات بأكملها وحتى لدول برمتها، وهو ما لم يحدث في الولايات المتحدة منذ الحرب الأهلية. وبالطبع ، فإن الأموال التي ينفقها البيت الأبيض في نهاية المطاف يتم اقتراضها بالكامل ويجب سدادها ذات يوم.

بالإضافة إلى النتيجة النهائية، هناك إشارات على مساهمة أمريكية أخرى في الحرب ، وهي “فشل استخباراتي ذريع” بحسب مقال نشر مؤخراً في مجلة فورين بوليسي أشار إلى أن الفيروس التاجي هو أسوأ فشل استخباري في تاريخ الولايات المتحدة وأن كل شيء هو خطأ قيادة دونالد ترامب.

يرتكز المقال على حجة أن وكالات الاستخبارات أبلغت المسؤولين في البيت الأبيض بمعلومات من مصادر طبية في الصين تشير إلى أن الفيروسات تتطور وقد تتسبب في حدوث جائحة ، ولكن السياسيين تجاهلوا الأمر والتزموا الصمت.  فقط الحكومة الفيدرالية لديها الموارد والسلطات اللازمة لجلب الجهات الفاعلة العامة والخاصة المعنية لمواجهة الأضرار المتوقعة الناجمة عن الفيروس. لسوء الحظ  أصدر مسؤولو ترامب سلسلة من الأحكام  والقرارات التي تستخف بالخطر القادم:  التقليل من مخاطر COVID-19، و رفض التصرف بالسرعة المطلوبة، و التي جعلت الأمريكيين يشعرون بانعدام الأمان.

يستشهد المقال بأدلة على أن مجتمع المخابرات كان يجمع معلومات مزعجة حول التطور المحتمل لمسببات الأمراض في الصين وكان يعد تقارير تحليلية في وقت مبكر من شهر كانون الثاني، توضح بالتفصيل ما كان يحدث أثناء تقديم لمحة عامة عن الدمار الذي يمكن أن يؤدي إليه الانتشار العالمي لفيروس شديد العدوى وقد يكون مميتاً. قد يكون المسؤولون عن المعلومات تحدثوا عنها،  لكن البيت الأبيض تجاهلهم و تصرف بلا مبالاة غير مسبوقة ، وحتى بإهمال متعمد.

رد ترامب على التحذيرات بطريقته الخاصة من خلال الإشادة بجهوده الخاصة وإزالة “الأخبار المزيفة”. وقال في 22 كانون الثاني الماضي: “لدينا الفيروس تحت السيطرة الكاملة، إنه قادم من الصين ، ونسيطر عليه.. كل شيء سيمضي على ما يرام “. إن تصور ترامب بأن الفيروس التاجي لم يكن تهديداً حقيقياً شكل رد الكادر الحكومي ، حيث اندفع كبار السياسيين لمواءمة مواقفهم من الفيروس مع موقف الرئيس. جاء القرار الأولي برفض النصيحة التي قدمها مسؤولو الصحة الحكوميون من ترامب وعززه التهديد بالفصل لأولئك الذين لم يتبعوا الخط، حيث تم استهداف الدكتور أنتوني فوسي ، مدير المعهد الوطني للحساسية والأمراض المعدية مؤخراً لأنه ناقض المعلومات الخاطئة التي يروج لها الرئيس.

من المؤكد أن دونالد ترامب ليس أول رئيس يختلف مع رؤساء المخابرات لديه ، وقد يكون لديه سبب وجيه للقلق من أي شيء من وكالة المخابرات المركزية قد يقع على مكتبه. على عكس  الرئيس الأسبق بيل كلينتون الذي لم يكن لديه أي علاقة تقريباً بمدير فرعه الخاص جيمس وولسي ، حيث كان الاثنان يلتقيان  مرة واحدة فقط خلال عامين. ولكن على الرغم من جميع أخطائه ، جعل كلينتون موظفيه يراجعون ويستجيبون للتقارير والتحليلات من مجتمع الاستخبارات، والتي يبدو أن الإدارة الحالية تفتقر إليها. أما جورج دبليو بوش، صديق مجتمع المخابرات، فقد أثبت فشل إدارته في توقع أحداث 11 أيلول على الرغم من تحذيرات التقارير الاستخبارية باحتمال وقوع هجوم إرهابي باستخدام طائرة مخطوفة.

وعليه، فان انفصال البيت الأبيض وعدم مبالاته خلال المراحل المبكرة لوباء الفيروس التاجي سيكونان من أكثر القرارات تكلفة. تم إبلاغ هؤلاء السياسيين مقدماً بما فيه الكفاية بتحذيرات واضحة من أن البلاد كان يمكن أن تكون مستعدة بشكل أفضل. كان ترامب مخطئاً في البداية ، لذلك قام من حوله بالترويج لهذا الباطل في الخطاب وبسياسات غير ملائمة لسنوات عديدة، و سوف يدفع الأمريكيون الآن الثمن الباهظ لعقود من الزمن.

ونتيجة لهذه الأخطاء المتعمدة ، ستغرق الحكومة الفيدرالية المثقلة بالديون بالفعل في أزمة مالية عميقة، و ربما ستكون بعيدةً عن  أي انتعاش حقيقي. أجهزة الاستخبارات أصدرت العديد من التحذيرات حول ما يمكن أن يحدث ، ولكن تم تجاهل هذه المعلومات عمداً.