الروابط الأسرية تتعزز في ظل الحجر المنزلي ..واختبار ناجح للالتزام بالاجراءات
تجاوز عدد الإصابات المسجلة بعدوى فيروس كورونا المستجد كوفيد 19 في العالم حاجز الـ 1.5 مليون حالة وسط تقديرات تشير إلى أنه لم يتم الوصول بعد إلى ذروة الأزمة، ورغم هذه المأساة الكبيرة التي يعيشها العالم، لكن هناك من شكر “كورونا” لأنه ألزم الناس البقاء في بيوتها من خلال إطلاق حملة “خليك بالبيت” ، حيث اجتمع الآباء والأبناء بعد طول شتات بسبب ظروف الحياة القاسية التي تدفعهم للعمل ليل نهار، الأمر الذي عاد بالفائدة على تعزيز الرابط الاجتماعي بين أفراد الأسرة بعد أن أضعفته مواقع التواصل الاجتماعي وهموم المعيشة وتأمين متطلبات الحياة.
لأول مرة!
تقول السيدة سمر موظفة في جامعة دمشق: لأول مرة منذ أكثر من عقدين نجتمع كأسرة واحدة في البيت طوال اليوم نتناقش في قضايا وأمور تهمنا وهو نقاش لم يكن موجوداً سابقاً بسب ظروف الحياة التي تدفع زوجي للعمل في وظيفة ثانية لتأمين متطلبات البيت، وأضافت: “كورونا” خطر قاتل لكن من جهة نظري كان له “فضل” في إعادة الروح للأسرة عندما اجتمعت لأيام عديدة تحت سقف واحد طوال اليوم، وهذا وقت ثمين بالنسبة للأبناء ليشعروا بوجود آبائهم بالقرب منهم.
وقال عمران اليوسف إن فرض الحجر ومنع التجوال جعله يقضي كل وقته مع أطفاله، مشيراً إلى أنه كان سابقاً لا يراهم كثيراً، حيث يغادرهم صباحاً ويأتي مساء فيجدهم نياما!
ملل جميل!
وبرأي ليلي ميهوب /ست بيت/ فإن فيروس كورونا أعاد روح الأسرة الواحدة والألفة والمحبة ، وهي هنا تتذكر أيام الشاشة الفضية عندما لم تكن في سورية سوى المحطة الأرضية، حيث كان الناس يتحلقون في التاسعة مساء من كل يوم لرؤية المسلسل ويتناقشون في أحداثة صباح اليوم التالي، ويضيف هذا الزمن الجميل افتقدناه منذ أكثر من ثلاثة عقود، وها نحن اليوم نلتزم بيوتنا ونتحاور مع أطفالنا وإن كنا شعرنا بالملل ولكن ذلك مفيد .
أهمية العائلة
وقال الشاب مفيد محمد أنه شعر بقيمة وأهمية العائلة في الأيام الأخيرة، مضيفاً: نحن كجيل شاب مولع بالتكنولوجيا أشبه بالضائعين الذين لا أحد يوجهنا نظراً لغياب دور الأب الباحث عن تأمين لقمة العيش وحتى الأم أحياناً، لذا وجدت في حضور أبي في البيت لفترة طويلة فرصة كي أسأله عن الكثير من الأمور والقضايا التي تخصني شخصياً وتهم أسرتنا وبلدنا بشكل عام.
جو الأسرة أحلى
ويتوافق رأي الشاب مهند العلي مع الرأي السابق ” صحيح أن أخبار فيروس كورونا تؤلمنا نتيجة الضحايا الكثيرين في العالم، لكن من فوائده إن صح التعبير أنه لم شمل الأسرة، وزاد من الترابط بين أفرادها وزاد من الألفة والمودة”.
واعترف مهند أنه كان ينتظر يوم العطلة الأسبوعية حتى يحظى بالجلوس مع والده الذي يتغيب عن البيت طوال النهار، وعلق مازحاً ” مع كورونا صار جو الأسرة غير شكل”.
وأملت سعاد أن يستفيد العالم من دروس كورونا، لجهة نشر المحبة والسلام بعيداً عن الحروب المدمرة، وعلى صعيد الأسرة السورية قالت: لقد ثبت أنها واعية من خلال الالتزام بالتعليمات والإجراءات الاحترازية التي أقرتها الحكومة، وهذا دليل وعي كبير في احترام القانون والأنظمة.
حوار ونقاش بناء
يقول الدكتور هاجار رستم عبد الفتاح : لا شك أن لوجود الآباء والأبناء تحت سقف واحد لفترة أيام طويلة بسبب الإجراءات الاحترازية التي فرضتها الحكومة لمواجهة خطر فيروس كورونا منعكسات إيجابية على الأسرة، فوجود الأب والأم في البيت على مدار أيام عديدة ساهم بشكل ملحوظ في تقوية الروابط الأسرية ، وفتح باباً للحوار والنقاش حول العديد من القضايا المهمة للأبناء، حيث كان هذا الحوار غائباً إلى حد ما نتيجة الغياب الطويل للأب خارج المنزل، أيضاً كان ذلك فرصة لتوعية الأبناء بخطر هذه الجائحة التي حصدت عشرات آلاف الأرواح وأصابت أكثر من مليون إنسان في العالم، بالإضافة إلى تحقيق التضامن بين مكونات المجتمع بشكل عام، حيث لوحظ قيام العديد من المبادرات التي مثلت صورة مشرقة من التكافل الاجتماعي والتعاون بين أفراد المجتمع.
ولفت الدكتور عبد الفتاح إلى ظاهرة سلبية ظهرت على مواقع التواصل الاجتماعي، وهي حالة الاستهتار والتندر تجاه فيروس كورونا، والشعور بالملل والشكوى من الحجر، لافتاً إلى أن الآباء مارسوا دوراً توعوياً كبيراً في إلزام أبنائهم بضرورة التقيد بعدم الخروج من البيت وقد كان لهذا الوعي دورا مؤثر في مواجهة المرض الخفي.
بالمختصر، ربما لا نبالغ بالقول إن مخاطر “كورونا” عادت بالفائدة على الأسرة وجعلتها تعود لممارسة دورها الحقيقي في متابعة هموم وشجون ورغبات الأبناء بعد أن شتتهم التكنولوجيا وحرمتهم ظروف الحياة الصعبة متعة الجلوس مع آبائهم لفترات طويلة.
• غسان فطوم