100 يوم على اغتيال سليماني.. هل حققت الولايات المتحدة أهدافها؟
ترجمة: هيفاء علي
عن موقع”ميدل ايست بوليتيك” 20/4/2020
في 3 كانون الثاني 2020، استهدفت طائرة أمريكية بدون طيار اللواء قاسم سليماني، قائد لواء القدس في الحرس الثوري الإيراني، في مطار بغداد. مرت أكثر من 100 يوم منذ ذلك الحين، فهل حققت الولايات المتحدة أهدافها؟.
عقب اغتيال سليماني، عين المرشد الأعلى للثورة الإيرانية، السيد علي خامنئي، نائب سليماني اللواء إسماعيل قآني على رأس الحرس الثوري. زار الجنرال قآني سورية للمرة الأولى، والتقى بالرئيس بشار الأسد عدة مرات، وذهب إلى الخطوط الأمامية في إدلب – المدينة التي تضم أكبر تجمع للقاعدة منذ 11 أيلول- للقاء القادة الميدانيين هناك والحصول على فكرة عن التضاريس، وتوزع الجيش السوري والقوات الرديفة والحلفاء الذين يعملون حالياً على إعادة الحياة للطريق M4 من حلب إلى اللاذقية بعد أن فشلت تركيا في إزالة الإرهابيين المنتشرين على طول هذا الطريق.
وقالت مصادر مقربة من قيادات محور المقاومة إن اللواء قآني أكد للرئيس الأسد دعم إيران الكامل لاستقرار ووحدة الأراضي السورية ومواصلة الجهود لتحريرها من كافة قوات الاحتلال، وشكر الرئيس الأسد الجنرال الإيراني وأعرب عن تقديره لدعم الجمهورية الإسلامية في حربها على الإرهاب.
كما التقى قآني في دمشق بالقادة الفلسطينيين لإعادة تأكيد ما تم الاتفاق عليه في طهران والتزام إيران بدعم القضية الفلسطينية، وذهب أيضاً إلى لبنان، حيث التقى بالأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله ، ثم إلى العراق لرؤية المسؤولين، كما فعل رئيسه قاسم سليماني قبل وفاته. ما يعني أن الجنرال الإيراني قام بإيصال نفس الرسالة إلى جميع أعضاء محور المقاومة الذين قابلهم، وهي: “أن إيران تعتبر محور المقاومة جزءاً من أمنها القومي وهي عازمة على زيادة دعمها لحلفائها إذا لزم الأمر”.
اعتقد ترامب وإدارته أن الإيرانيين سيعتبرون الاغتيال فرصة للثأر ضد قادتهم، وبالتالي إضعاف الحرس الثوري، ولكن ما حصل هو العكس تماماً. في الواقع ، من خلال اغتيال شخصية وطنية مثل سليماني، عرض رئيس الولايات المتحدة على إيران الهدية الوحيدة القادرة على ضمان وحدة وتضامن الشعب الإيراني، ليس لأن سليماني كان ضرورياً، ولكن لأن اغتيال قائد شن حرباً ضد “القاعدة وداعش” لحماية إيران من التكفيريين غير مقبول تماماً. وأكثر من ذلك، تم اغتيال القائد سليماني من قبل زعيم متغطرس تفاخر بإتباعه “الدقائق الأخيرة” بـ سادية في أرض محايدة حيث من المفترض أن تكون القوات الأمريكية المحتلة ضيوفاً يحترمون قواعد وقوانين البلاد.
كان الرد مثيراً بقدر ما كان غير متوقع، فقد تمت رؤية السيد علي خامنئي في مركز العمليات يأمر بضرب أهداف أمريكية بصواريخ بالستية ضد القواعد الأمريكية في عين الأسد والأنبار وأربيل في العراق. ولعل استخدام الوقود السائل يعني أن إيران أمضت ساعات في نشر صواريخها لإعدادها للإطلاق (يتم ذلك في غضون بضع دقائق في حالة الوقود الصلب)، مما أعطى الوقت الكافي للأقمار الصناعية الأمريكية لالتقاط هذه الاستعدادات، وبالفعل التقطتها لكن اكتفت الإدارة الأمريكية بإرسال برقية عاجلة إلى السفارة السويسرية في طهران لتحذير إيران من أي هجوم، قائلة إنها ستكون عرضة لقوة نارية غير متناسبة. وردت إيران بإعطاء الموقع الدقيق للقصف المخطط له (القاعدتان الأمريكيتان)، مع الحرص على إضافة أن جميع القواعد العسكرية الأمريكية في الشرق الأوسط سيتم قصفها إذا ردت الولايات المتحدة على إطلاق صواريخها الباليستية.
إن أهمية هذا “الحوار” يكشف عواقب اغتيال الولايات المتحدة لسليماني: للمرة الأولى، تحدت إيران دولة عظمى، بتحذيرها المباشر من نيتها قصفها، وتحديد الأهداف، ليس فقط من خلال تجاهل التهديدات من الولايات المتحدة، ولكن من خلال الرد بتهديد آخر، وهو أمر لم تختبره الولايات المتحدة منذ الحرب العالمية الثانية. والأهم أن إيران لم تطلب من حلفائها مهاجمة الولايات المتحدة، وإنما اختارت تحدي قوة عظمى نشرت عشرات القواعد العسكرية لتطوق إيران.
لا شك أن ثمن جريمة اغتيال سليماني سيدخل كتب التاريخ كعلامة على تراجع الإمبراطورية الأمريكية، عندما تحدت دولة صغيرة ذات قدرة عسكرية محدودة نسبياً وضربت قوة عظمى قواتها المسلحة منتشرة في جميع أنحاء العالم. صحيح أن الولايات المتحدة اغتالت سليماني، لكن إيران قتلت فخر وصورة الولايات المتحدة. لم ترد الولايات المتحدة عسكرياً، لكنها رفعت من منسوب العقوبات الاقتصادية ضد إيران، لكن حتى في ذلك أظهرت الجمهورية الإسلامية أنها ليست على وشك الخنوع والاستسلام على الإطلاق ما يعني أن العواقب الإستراتيجية لاغتيال سليماني والقصف المباشر من قبل إيران لقواعد أمريكية تعطي محور المقاومة دفعة أقوى من أي وقت مضى، وهو ما جعل حلفاء إيران غير خائفين من المواجهة المباشرة مع الولايات المتحدة، بغض النظر عن المنصة.