التحكيم المؤسساتي.. تخفيف من أعباء القضاء وضمانة للحقوق وخطوة واعدة نحو إعادة الإعمار
تأسس التحكيم المؤسساتي في بلدنا عام 2008، ثم تأسست المراكز التحكيمية في عام 2010، فهل حققت هذه الخطوة الفوائد المرجوة منها؟ وهل كانت خطوة إيجابية وخالية من السلبيات؟.
لا سلبيات تذكر
المحامي حيدر سلامة، مؤسس ورئيس مجلس إدارة مركز ارادوس للتحكيم التجاري المحلي والدولي، تحدث عن واقع التحكيم المؤسساتي عموماً، وواقع مركزه على وجه التحديد الذي انطلق منذ عام 2011، حيث أوضح بأن المراكز التحكيمية تختص بالنظر بكل الخلافات والمنازعات المعينة حصراً، أو ما يشبه قضاء قطاع خاص لكل الخلافات المدنية، والاقتصادية، والتجارية، والبيع والشراء المحلي أو الدولي، وبمعنى آخر ما يختص بأي عقد يضع شرطاً تحكيمياً، بل وحتى في حال وجود نزاع منظور أمام القضاء يمكن للأطراف اللجوء للتحكيم لإتمام حل المنازعة، لأن التحكيم أسلوب اتفاقي قانوني لحل المنازعات بدلاً من القضاء، سواء بصك موقع من الطرفين، أو برسالة، أو فاكس، أو أية ورقة مكتوبة تتضمن ذلك، وقرارات التحكيم مبرمة وغير قابلة لأية طريقة من طرق الطعن أو المراجعة الموجودة لدى القضاء العادي، ويتم البت بالنزاع خلال 180 يوماً من تاريخ تشكيل هيئة التحكيم، وتسليمها الملف، أو منذ عقد أول جلسة، وبخصوص تشكيل هيئة التحكيم ضمن المراكز فإن الأطراف لهم حرية اختيار قضاتهم من المحكمين المعتمدين بالجدول الموجود ضمن أي مركز تحكيمي، أو حتى خارج المركز، ويحق للأطراف اختيار قضاتهم بأنفسهم شرط أن يكون عددهم وتراً أي (1-3-5-7-9-….)، وحسب عدد الأطراف بالعقد، وعلى سبيل المثال فإنه يوجد في مركزه جدول محكمين معتمدين عددهم 33 محكماً من حملة شهادة الدكتوراه في كافة الاختصاصات، ومن المحامين، والقضاة، والعقاريين، والمهندسين، بالإضافة لوجود جدول للخبراء الذين تتم الاستفادة من خبرتهم الفنية أثناء النظر في المنازعات، وفي حال وقوع أية مخالفة أو اعتداء أثناء الجلسات يطبق قانون السلطة القضائية ذاته الذي يطبق في المحاكم، فالاعتداء على المحكم اعتداء على القاضي، وللأطراف الحرية في اختيار القانون واجب التطبيق، سواء كانت القضية محلية، أو دولية، فمثلاً يمكن للأطراف أن يتفقوا على تطبيق نظام مركز ارادوس للتحكيم بدلاً من قانون التحكيم، أو قانون التحكيم المصري بدلاً من السوري، وحول سؤالنا إن كانت تطبق مخاصمة القضاة في مراكز التحكيم نفى سلامة ذلك، فالأطراف يختارون قضاة واثقين من نزاهتهم، وهذا الأمر يبطل وجود المخاصمة كما في القضاء العادي، وأكد سلامة على ضرورة تحلي جميع مراكز التحكيم بالثقة، والسمعة، وجعل شعارهم التميز، والخطأ الأول هو الأخير، وتابع سلامة بأن القرار يصدر عن المركز التحكيمي مبرماً، وينفذ لدى دائرة التنفيذ القضائية بعد إكسائه صيغة التنفيذ لدى محكمة الاستئناف المختصة، أو المعرفة بالمادة 3 من قانون التحكيم، وذلك بطلب، ولا يحتاج لدعوى، ولا يحق لمحكمة الاستئناف النظر بالموضوع، وإنما تدقق شكلاً بحالات سبع محددة، وتخضع مراكز التحكيم لرقابة هيئة التفتيش القضائي.
القضاء الأول
وحول سؤالنا عن سلبيات التحكيم المؤسساتي أجاب سلامة بأن التحكيم المؤسساتي هو القضاء الأول في كل دول العالم، وهو البيئة القانونية الآمنة للاستثمار، والتجارة، وليست هناك أية سلبيات تذكر لطالما تم اختيار الهيئة بشكل جيد، وبعناية، أما سلبيات التحكيم التي شاع الحديث عنها فهي تنال من التحكيم الحر، وليس المؤسساتي الذي تقوم به المراكز كون التحكيم الحر يفتقر للضوابط، ومحاكم الاستئناف هي من تعين هيئة المحكمين إذا لم تكن محددة سلفاً بالعقد موضوع النزاع، أما إيجابيات التحكيم المؤسساتي فهي كثيرة كالسرية للجلسات بخلاف القضاء العادي الذي تتم محاكماته وفق جلسات علنية، فيمكن أن يكون الخلاف على صفقة استيراد بضائع من نوع معين، وإن شاع ذلك فيمكن لأي مستورد آخر لدى علمه بالخلاف أن يقوم باستيراد المادة نفسها، ويغرق السوق بها ريثما يتم حل النزاع، ومن ميزات التحكيم المؤسساتي السرعة، فمن حق الأطراف الاتفاق مع المركز التحكيمي، أو فيما بينهم على تحديد المدة 180 زيادة أو نقصاناً للبت بالنزاع، ومن ميزات التحكيم المؤسساتي تحقيق العدالة، فالمركز إن لم يحرص على تحقيق العدالة لن يستمر نهائياً، وهذا الأمر سيدفع كل من يعمل ضمنه لتوخي الدقة المتناهية، والحيلولة دون حدوث أدنى خطأ أو تلاعب، كما أن التحكيم المؤسساتي يحقق الوفرة، إذ يوجد جدول في النظام الداخلي للمراكز تحدد فيه نسبة الأتعاب، والمصاريف، والنفقات في حال لم يتم الاتفاق على ذلك مع الأطراف.
الصعوبات
وحول الصعوبات التي تواجه مراكز التحكيم المؤسساتي أوضح المحامي سلامة بأنهم يخوضون حرباً حقيقية، ومجابهة لعملهم، ولم يتم التعاون معهم لإنجاح هذه المؤسسة بالشكل المطلوب سواء من قبل النقابات، أو المنظمات ذات الشأن، أو غرف الصناعة، والتجارة، وناشد سلامة من منبرنا الجميع للتعاون مع هذا القطاع وتسهيل عمله، وأوضح سلامة أنه رغم الحرب الغادرة لم يتوقف مركزهم عن عمله للحظة، وقد سعوا لدعم قطاع الحكيم، ونشر ثقافة هذه المؤسسات بخطوات عملية، حيث أجرى مركزهم خمسة اختبارات للمحكمين بإشراف وزارة العدل، إضافة لإلقاء محاضرات في ثلاثة مؤتمرات، ورعايتها، والاشتراك في مؤتمرات لإعداد الكوادر، ولنشر ثقافة التحكيم وإعادة هندسة المدن والبلدات، وحول الدور الحقيقي الذي يلعبه التحكيم اليوم تحدث سلامة عن مقالين نشرتهما صحيفة الأهرام الاقتصادي المصرية حول واقع التحكيم المؤسساتي في العالم العربي، وأخطر ما تضمناه أن الدول العربية خلال 10 سنوات دفعت مبلغاً يقدر بمئتي مليار دولار من خزائنها كأتعاب قضايا تحكيم دولية خسرتها جميعها، لأن المراكز التحكيمية أجنية، كما أن المحكمين والخبراء أجانب، وكانت خسائر مصر الدولة العربية الرائدة بمجال التحكيم 200 مليار جنيه مصري دفعتها الحكومة المصرية من خزانتها كأتعاب لمئة قضية تجارة دولية خسرتها، ولم يشارك فيها سوى خمسة محكمين مصريين، ومن هنا ندرك أهمية بناء مؤسسة تحكيم سورية رائدة دولياً ومحلياً بالتعاون مع كل الرواد والمتميزين في هذا المجال، فالقرار الذي يصدر عن المركز التحكيمي ينفذ في كل الدول الموقعة على اتفاقية نيويورك لعام 1958 التي انضمت لها سورية سنة 1959حول تنفيذ قرارات أحكام التحكيم.
الحل الأسرع والأمثل
المحامي معاذ عجلوني رأى أن التحكيم منذ نشوئه في بلدنا تم بناؤه على أسس علمية وعملية، خاصة بعد تعديل قانون الشركات في عام ٢٠١٠، وترافق ذلك مع الازدهار الذي ساد، واستقطاب رؤوس أموال إلى البلاد، وتأسيس شركات أجنبية وفروع لشركات عالمية خارجية، وقد أثبت التحكيم بتلك الفترة جدواه العملية والتميز، وبات يلجأ له المتعاقدون من التجار لما يتطلبه العمل التجاري من سهولة ومرونة في التعاملات، وسرعة بالفصل في المنازعات التي قد تنشب نتيجة تلك الأعمال، وهو ما وفره قانون التحكيم، سواء بالاشتراط المسبق من خلال تضمين العقد بنداً للتحكيم، أو حتى الاتفاق اللاحق باللجوء من قبل الأطراف إلى التحكيم، ومع كل تلك الإيجابيات للتحكيم المؤسساتي إلا أنه بعد الأزمة أصبحت بعض المؤسسات تهدف للربح فقط، وأصبح بعض المشاركين بالدورات التحكيمية يرمون للحصول على شهادة بالتحكيم دون الحصول على المعلومات العلمية والعملية التي تخولهم أن يمارسوا العمل التحكيمي بالشكل المطلوب في المستقبل، كما أن هروب رؤوس الأموال من القطر، وتوقف وتدمير العديد من الشركات، وضعف جميع القطاعات الاقتصادية التجارية، والصناعية، والسياحية، والزراعية، أثر بشكل سلبي على مسيرة العمل التحكيمي في سورية، ولكن مع ذلك كله أكد عجلوني أن التحكيم هو الأضمن والأنسب والأسرع، ويبقى التحكيم خطوة حضارية تخصصية، لكن تحقيق ذلك يستلزم اتفاق المتعاقدين على تضمين عقودهم عند إبرامها بنداً تحكيمياً مفصلاً وواضحاً لا لبس فيه ولا غموض.
وحول سؤالنا إن كان التحكيم المؤسساتي أفضل من التحكيم الحر أجاب عجلوني بأن كليهما يكملان بعضهما البعض، لطالما كان عملهم وفق المعايير الفنية، والقانونية، وأدوا العمل المنوط بهم كما يجب.
إعادة الإعمار
المحامية دولت إبراهيم اعتبرت أنه من المهم جداً نشر ثقافة التحكيم بين كافة شرائح المجتمع، وأنها على الصعيد الشخصي تسعى للتسجيل قريباً بدورة تحكيم، وهي من المشجعين والمتابعين لموضوع التحكيم لما فيه من الإيجابيات الكثيرة عند اللجوء إليه لحل النزاعات، ويجب أخذه بعين الاعتبار بصورة واسعة، والعمل على تثبيته كبند أساسي في العقود الخاصة التجارية كونها تتضمن دائماً مبالغ مالية كبيرة، وتجميدها في حال نشوب نزاع طويل في القضاء يعتبر كارثة، وخسارة للأطراف، أو حتى للاقتصاد الوطني ككل، وتبرز أهمية التحكيم في الوقت الراهن كون بلدنا أصبح في مرحلة التعافي والنهوض، وهو مقبل على مرحلة إعادة الإعمار التي ستحتم حضور شركات كبيرة لإبرام عقود بعدة مجالات، ويفترض تذليل الإجراءات أمامها لتسهيل وتسريع عملية إعادة الإعمار، ومن المفضل أن تتضمن كل عقود تلك الشركات شرط اللجوء للتحكيم، كما يجب تدوين شروط التحكيم بصيغة واضحة ودقيقة من قبل ذوي الاختصاص كالمحامين أو المحكمين المعتمدين لتلافي حصول أية سلبيات ضمن عملية التحكيم، وأكدت إبراهيم ما جاء في رأي سابقيها لجهة أن التحكيم خطوة نحو التقدم والرقي وضمان الحق.
بشار محي الدين المحمد