حراس السلطة.. أسطورة وسائل الإعلام الليبرالية
تكشف لنا صفحات كتاب “حراس السلطة.. أسطورة وسائل الإعلام الليبرالية” لمؤلفيه دافيد إدواردز ودافيد كرومويل، ترجمة آمال كيلاني، أن وسائل الإعلام الغربية هي مؤسسات تهدف إلى الربح وليس لإظهار الحقيقة أو السعي وراء العدالة، كما أن تمويلها يأتي من المؤسسات عابرة القارات في شكل إعلانات، حيث تعيش على تلك الإعلانات ولا يمكنها الإساءة للمعلنين ولمصالحهم، كذلك فإن وسائل الإعلام هي نفسها من إفرازات النظام الرأسمالي الهادف للربح، فمصالحها متوافقة مع الأنظمة الرأسمالية إن لم تكن الإمبريالية.
يناقش الكتاب عمل التيار الرئيسي لوسائل الإعلام الغربية، ويأخذ العراق وأفغانستان كحالتين لكيفية عمل الإعلام الغربي، حيث لم يتمّ تسجيل الإجراءات المشينة مثل قصف القوات الأمريكية والبريطانية للمواقع المدنية بالقنابل العنقودية في العراق وأفغانستان على أنها أفعال تنمّ عن غزو وحشيّ ضار، بل على أنها مجرد حركة تحرير اضطرارية وتمّ تبريرها بأساطير الحرب الطيبة والحرب الباردة وكان الناقل الرئيسي لهذه الأساطير هو النظام المؤسّس المعروف باسم الميديا أي وسائل الإعلام والذي توسّع بشكل عشوائي، ولكن مع الوقت حدث تغيير في إدراك الشعب ومعارفه ولم يعد أحد يثق بما يقرؤه أو يراه أو يسمعه، وأصبح الجمهور وثيق الصلة بالميديا ويرفض الحدود التي يضعها لهم المتخصّصون على أنها خطاب الجمهور، وأثيرت الأسئلة التي كانت ممنوعة في وقت ما، مثل هل تُعدّ الصحافة متورطة في جريمة العراق؟ كما أن هناك إحصائيات عن القتلى الأمريكيين والبريطانيين في العراق، فهل هناك إحصائيات عمن قتلهم الأمريكيون والبريطانيون في العراق؟ كما تقول إحدى الدراسات إن الرقم تجاوز في غضون سنتين من الغزو مائة ألف قتيل، فلماذا اختفت تلك الدراسة عن الإعلام العالمي والغربي والشرقي على حدّ سواء؟ كما أنه قبل الغزو أفادت إحدى الإحصائيات الغربية أن الحصار تسبّب بمقتل نصف مليون طفل عراقي، وأعلنت وزيرة الخارجية الأمريكية آنذاك السيدة أولبرايت أنها تعتقد أن الأمر يستحق تلك التكلفة، أي أمر ذلك الذي يستحق قتل نصف مليون طفل عراقي؟ وقد قامت جرائم الإدارتين الأمريكية والبريطانية على مجموعة أكاذيب متوالية ثبت كذبها كلها، فهل ناقش الإعلام ذلك؟. أما في أفغانستان فقد تسبّب الغزو والحصار بمآسٍ إنسانية لم تشهدها أفغانستان في تاريخها من مجاعة وقتل وتشريد مدنيين بأضعاف مضاعفة لما كان يحدث تحت حكم طالبان، وجاءت الإدارة الأمريكية بأفغاني يعيش في الولايات المتحدة منذ عقود عدة، صاحب مطعم أو مطاعم، ليصبح رئيساً للدولة ويقوم حرسه الأمريكيون بصفع وزرائه على وجوههم -كما نقلت وكالات الأنباء- وأصبح فيما بعد يبكي أو يتباكى لعدم قدرته على إنقاذ شعبه من القتل على يد قوات طالبان أو القوات الغربية. باختصار يخبرنا الكتاب الذي يقسم إلى خمسة فصول أن ما يحدث هو عبارة عن عملية دفاع تقوم بها الميديا لتطبيع الأحداث التي لا يمكن تصديقها لدى الجماهير العريضة من خلال المرور مرور الكرام على أعتى وأقسى جرائم الدول ذات النفوذ، وإبعاد الشكوك حول حقيقة هذه الجرائم عبر الزعم بأن الغاية تبرّر الوسيلة وعن طريق تضخيم جرائم الأعداء الرسميين ووضعها تحت المجهر، وهذا يؤدي إلى حقيقة لا يمكن إنكارها وهي أن معاناة الشعوب لا تعني الصحافة والميديا، وأن نجاح مؤسسات الميديا يعتمد على العلاقات الإيجابية مع المراكز الضخمة ذات النفوذ الاقتصادي والسياسي، وأن أهم وسائل الإعلام اليوم وأكثرها انتشاراً وتأثيراً “قنوات التلفزيون” هي إما تتبع الحكومات أو المؤسّسات الخاصة أي (أصحاب رؤوس أموالها) وغالباً ما تهدف رؤوس الأموال إلى حماية مصالحها والترويج لها، كما أن هناك فارقاً رئيسياً في طبيعة وعمل المؤسسات في الغرب عندما تطغى الموضوعات المحلية على عملها، وعندما تغطي الموضوعات الدولية والتي ينقسم فيها العالم إلى الغرب والآخرين .
يمكن القول إن الكتاب يوجّه مساءلة لمن قيل لهم إنهم يرسمون خارطة التاريخ ومن غيّروا مجرى التاريخ الحديث، كما أنه مزق ذلك الصك الأخلاقي المتمثل في حق القصف بالقنابل والتشويه والسجن دون محاكمة، وقام بتدوين التاريخ باستقامة وقوامة، فهو يضمّ مجموعة إنذارات وتنبيهات ضمن سياق تاريخي لا يمكن اعتبارها مصدر نقد لاذع بل لغتها ونبرتها فيها احترام للصحفيين، وهي تناقش المحررين والمنتجين ومديري الميديا وحججها مدعمة بالحقائق والحسّ الأخلاقي. باختصار يناقش الكتاب كيف ابتلع الإعلام الغربي أكاذيب الإدارتين الأمريكية والبريطانية وجرائمهما؟ ويتساءل في النهاية كيف ابتلعنا نحن إعلاماً وحكومات تلك الأكاذيب والجرائم؟.
لوردا فوزي