انتهاكات الكيان الصهيوني للقرارات الدولية وموقف الأمم المتحدة
المستشار رشيد موعد
قاضي محكمة الجنايات سابقاً
بالرغم من أن هيئة الأمم المتحدة بمؤسساتها المختلفة والمتعددة لا تملك القدرة على تنفيذ قرراتها، ألا أن هذه القرارات تظل دائماً قانونياً يعتد بها عند الاحتكام للشرعية الدولية، وحتى إذا كانت قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة ليست إلا توصيات، وغير ملزمة، إلا أنها تتمتع بقيمة أدبية عالية ، لأنها تعبر عن رأي المجتمع الدولي وبهذه الصفة فهي تقترب إلى حد الإلزام.
في شهر آب عام 1929 أدت الأحداث التي شهدتها منطقة حائط البراق في فلسطين المحتلة والمعروفة بثورة (البراق)) والتي اشترك فيها البريطانيون لصالح اليهود، أدت إلى مطالبة الشعب الفلسطيني بمحاربة بريطانيا نفسها، لأنها أساس المشكلة. ومن أجل أن يسود الهدوء والأمان، سارعت الحكومة البريطانية بإرسال لجنة برئاسة (والتر شو) إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة، وبعد انتهاء تحقيقاتها قدمت تقريرها للحكومة البريطانية، والذي أكد أن الهجرة اليهودية تلحق الضرر باقتصاديات العرب. وكان لتقرير لجنة (شو) أثره الكبير حيث شكَّلت “عُصبة الأمم” حينها.
وبعد أن اضطلعت لجنة البُراق الدولية بدراسة واقعية في فلسطين واستمعت لمرافعات وشهود العرب والمسلمين وكذلك اليهود، توصلت إلى استنتاجاتها، التي أكدت أحقية العرب في (حائط البراق) وأن الساحة المجاورة له هي ملك إسلامي ووقف للمسلمين. ومع ذلك سمحت هذه اللجنة لليهود بممارسة شعائرهم إلى جانب الحائط. تكمن أهمية توصيات اللجنة في أنها فنَّدت الادعاءات الصهيونية الحالية، والتي تزعم بحقهم التاريخي في القدس، وأثبتت عروبة (القدس) التي تأكدت خلال قرار التقسيم ، عندما تركت القدس كاملة في القسم العربي…
وبموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الصادر بتاريخ 29/11/1947 تحت رقم 181 المتضمن تقسيم فلسطين إلى دولتين عربية ويهودية ، أوصت الجمعية العامة بأن يكون لمدينة القدس كيان ووضع مستقل خاضع لنظام دولي خاص تحت إدارة الأمم المتحدة، على أن يُعين مجلس (وصاية) ليقوم بأعمال السلطة الإدارية، لكن الكيان الصهيوني ضم (بلدية القدس) لإدارته إضافة إلى القرى المجاورة مثل أبو ديس وبيت لحم وعين كارم.
وبتاريخ 11/12/1948 صدر القرار رقم 194 المتضمن حق عودة الأخوة الفلسطينيين إلى ديارهم، ومؤكداً على أن تلقى مدينة القدس معاملة خاصة ومنفصلة عن سائر فلسطين ، ويجب أن توضع تحت السلطة الفعلية للأمم المتحدة. وبعد أن وافقت حكومة الاحتلال الصهيوني على مشروع قرار التقسيم ووقعت على بروتوكول لوزان في 12/5/1949 وحصلت على عضويتها في الأمم المتحدة، نقلت عاصمتها إلى مدينة القدس مع بعض الوزارات مخالفة بذلك القرارات الدولية…
وبتاريخ 20/11/1949 أصدرت الأمم المتحدة القرار رقم 114 المتضمن الطلب إلى الكيان الصهيوني إلغاء نقل الوزارات والإدارات العامة إلى القدس..
بعد حرب حزيران عام 1967 تمكن الكيان الصهيوني من احتلال الضفة الغربية، وضم القسم الشرقي من مدينة القدس إليها وبدأت بعد ذلك باتخاذ إجراءات لهذه المدنية بغية تفريغها من سكانها العرب…
ناقشت الجمعية العامة (قضية القدس) في إطار (أزمة الشرق الأوسط) واتخذت القرار رقم 2252 بتاريخ 4/7/1967 الذي أعربت فيه عن قلقها الشديد من التدابير الإسرائيلية الهادفة لتغيير وضع المدينة، واعتبرت هذه الإجراءات غير صحيحة وطالبت العدو الصهيوني بإلغائها.
وبتاريخ 10/7/1967 قدَّم الأمين العام للأمم المتحدة تقريره إلى الجمعية العامة الذي تضمن عدم تراجع (إسرائيل) عن إجراءاتها التي اتخذتها تجاه تغيير وضع القدس، وفي ضوء ذلك أصدرت الجمعية العامة قرارها رقم 2254 لعام 1967 مؤكدة على قرارها السابق، وطالبت إلغاء التدابير كافة. ونتيجة للرفض المستمر من قبل الكيان الصهيوني أصدرت الجمعية العامة قرارها رقم 2851 الصادر بتاريخ 20/11/1971 اعتبرت فيه كافة الإجراءات التي اتخذتها (إسرائيل) لتهويد القدس والاستيطان في الأراضي العربية المحتلة باطلة ولاغيه كلياً. وبعد ذلك التاريخ توالت قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة بحق (الكيان الصهيوني) الذي لم يرضخ لها ولم ينفذ أيا منها.
بتاريخ 14/12/1981 أصدر الكيان الصهيوني قراراً يقضي بضم أراضي الجولان المحتل لإدارته، وذلك بفرض قوانينه وولايته وأقدم هذا الكيان على بناء المستوطنات في الأراضي العربية المحتلة. وبرأي القانون فإن هذه الأعمال تشكل انتهاكاً جسيماً لأحكام اتفاقية جنيف الرابعة سيما المادة 49 منها وكذلك قراري مجلس الأمن الدولي رقم 465 لعام 1980 والقرار رقم 497 لعام 1981 اللذين نصا على أن قرار (إسرائيل) بفرض قوانينها وولايتها، وإدارتها في الجولان السوري لاغٍ وباطل، وليس له أي أثر قانوني.
وقد أبلغت سورية في رسالة لها وجهتها إلى الأمين العام للأمم المتحدة بتاريخ 3/6/1981 أوضحت له هذه الانتهاكات. ونوهت هذه الرسالة، أنه من الواجب التقيد بقرارات الأمم المتحدة وتنفيذها واحترام الشرعية الدولية، التي يتحدث عنها المجتمع الدولي بأكمله. وأن عدم تنفيذ قرارات الأمم المتحدة يُشكل عصياناً على الشرعية الدولية، وعلى منظمة الأمم المتحدة أن تواجه هذا العصيان بما يستوجب من إجراءات رادعة.
وبتاريخ 23/12/2016 أصدر مجلس الأمن القرار رقم 2234 الذي يدين الاستيطان وطلب هذا القرار الذي جاء بأغلبية مطلقة وحاز على تأييد 14 صوتاً من أصل 15 صوتاً وامتنعت الولايات المتحدة الأمريكية عن التصويت وهذه سابقة من الولايات المتحدة بعدم استعمال حق النص (الفيتو) ، لكن (إسرائيل) اعتبرته حبراً على ورق، ولا تتقيد به.
كما صدر عدة قرارات سابقاً بحق (الكيان الصهيوني) منها القرار رقم 338 والقرار 242 تاريخ 7/10/1967 المتضمن انسحاب القوات الإسرائيلية من الأراضي العربية المحتلة بعد عدوان5 حزيران 1967، وكعادته هذا الكيان لم يمتثل لرغبة المجتمع الدولي ولا لهيئة الأمم المتحدة التي تمثله..
وكذلك أصدر مجلس الأمن أيضاً عدة قرارات .. نذكر منها كوثائق إدانة للعدو الصهيوني وهي:
- القرار رقم 267لعام 1969 الذي أكد أن الاستيلاء على الأراضي من خلال الغزو العسكري غير مقبول.
- القرار رقم 271 لعام 1969 الذي أدان فيه جريمة حرق المسجد الأقصى.
- القرار رقم 298 لعام 1971 الذي طالب بإلغاء كافة الإجراءات العدوانية المتخذة حيال مدينة القدس.
- القرار رقم 673 لعام 1990 الذي أدان فيه رفض (الحكومة الإسرائيلية) استقبال مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة .
- القرار 661 لعام1990 الذي أكد فيه مجلس الأمن عدم جواز اكتساب الأرض بالحرب…
مما سبق يتضح أن الاستهانة الصهيونية بقرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن، تشكل خرقاً لمبادئ الشرعية الدولية، وتعتبر تهديداً صارخاً لمبادئ الأمن والسلام الدولي في المنطقة، ويقتضي تفعيل وتطبيق الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة بحق هذا الكيان لإلزامه بتنفيذ هذه القرارات.