في قمة “الدفاع عن السلام”
سنان حسن
ربما عجّل الخطر الذي شكله فيروس كورونا المستجد على العالم في موافقة الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي على عقد القمة، التي دعا إليها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين “من أجل الدفاع عن السلام” في بداية العام الجاري، فهل تنجح هذه القمة، التي ستكون افتراضية عبر الفيديو كما أعلن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، في رسم اتفاقات على غرار ما حدث في يالطا 1945 تؤمن الأمن والاستقرار للعالم في الفترة القادمة؟ أم أن النزعة الأمريكية بقيادة ترامب لجني الأموال على حساب الحلفاء والأعداء ستعطّلها وتجعلها مجّرد لقاء عابر؟
بعد خمسة وسبعين عاماً من انتصار الحلفاء في الحرب العالمية الثانية، وما أرساه اتفاق يالطا، الذي وقّعت عليه أمريكا والاتحاد السوفيتي وبريطانيا، من قواعد نظام عالمي جديد وتقاسم للنفوذ والسيطرة، وبعد عشرين عاماً من سقوط جدار برلين وتفرّد واشنطن وتنصيبها نفسها شرطياً على العالم، جاءت دعوة بوتين لعقد قمة للدول الخمسة الدائمة لتؤكّد أن العالم بحاجة ماسة إلى هكذا قمة تنظّم العلاقات الدولية المتهرئة، وتعيد ترتيب الأوراق على طاولة القرار الدولي، فالعالم اليوم يعيش حرباً دولية في مواجهة وباء كورونا المستجد، والذي كسر الكثير من التابوهات، وكشف، بما يقطع الشك باليقين، أن هناك دولاً تركت عباءة العظمة والقوة، وباتت ضعيفة، ومهلهلة، وربما غير مؤهلة للجلوس بين الكبار (فرنسا – بريطانيا)، وهذا ما أكده السفير الأمريكي في موسكو بقوله: “إن المشاركين الأساسيين في مناقشة الإجراءات اللاحقة الخاصة بالسيطرة على الأسلحة هم الولايات المتحدة وروسيا والصين”. بالإضافة إلى ذلك، فإن أزمة أسواق الطاقة العالمية والانهيار التاريخي لأسعار النفط لأول مرة منذ عام 1920 وما أضافته من كساد جديد قد لا يمكن تجاوزه في المستقبل القريب شكّلت عوامل رئيسية أيضاً لضرورة التباحث بالمشاكل الدولية، ولكن بالرغم من كل ذلك حتى التسليم بعقد القمة لا يعني أنها ستنجح!!
إن التصرفات المتوالية لأمريكا، بقيادة الرئيس دونالد ترامب، ترسل إشارات سلبية في كافة الاتجاهات، بداية من السباق لإنتاج لقاح للسيطرة على الوباء وجعله حكراً على الأمريكيين، مروراً بابتزاز أموال الدول تحت ذريعة الاتهام بتفشي كورونا، كما يحدث اليوم مع الصين، ونهاية بالدخول في سباق تسلّح جديد، وإعادة إنتاج الكثير من صنوف الأسلحة النووية المتوقّفة. وما تصّدر الإنفاق العسكري حول العالم بـ 738 مليار دولار إلا مثال واضح على ذلك، وفوق كل ذلك المزاج العالمي الذي تكوّن منذ تسلّم ترامب السلطة في أمريكا بخروجه من كل الاتفاقات التي كانت واشنطن طرفاً فيها، ما يعني أن الضمان بأنه سينفّذ ما قد تتمخض عنه القمة قد يكون محط شك أيضاً.
إن الدعوة الروسية تحمل في طياتها الكثير من الإشارات أن الدول بدأت تستشعر بمخاطر الفوضى وارتداداتها على العلاقات الدولية، ولكن هل تكون الدول الأخرى، وخاصة أمريكا، على قدر المسؤولية؟!.. ذلك ما ننتظره.. ولكن!!