تحقيقات

من البيوت السورية.. قوافل للشهداء.. تاريخ حافل بالبطولات وقصص الوفاء للوطن

تزداد الأسماء يوماً بعد يوم، وتتوالى قوائم الشهداء في كل عام، ويكبر الأسى والحزن على شباب الوطن الذين أصبحوا نجوماً تنير سماءنا، ورياحين تعطر أرضنا، في بلادنا لا يتوقف الدم النبيل عن السقوط كأمطار تطهر الأرض وتنعش الحياة، ربما هو قدرنا، فعلى هذه الأرض تساقط دم الأنبياء والرسل، ومازال يسقط من أجل انتصار الحق على الباطل، ورسخ المبادئ الإنسانية، ورفع الظلم والعدوان عنا، فما أن احتفلنا بكوكبة من الشهداء حتى لاقينا كوكبة جديدة نسطر أسماءها على جدراننا، بصور لا تحصى، فلكل بيت شهيد يفخر به وينتمي له كجزء من هذه الأرض المقدسة التي لم يتركها الشيطان بأمان، فينتقم من نبلها أشد انتقام، لنتحول جميعنا من نساء وأطفال وشيوخ لمشروع شهادة قائم من أجل الكرامة والعيش المشرف، وندفع من سبل حياتنا أغلى الأثمان، لأن الوطن أولاً وأخيراً، ولن نكون لاجئين عند أحد ساهم في سرقة أيامنا وأحلامنا الصغيرة.

عزيمة باقية
يسجل السادس من أيار يوماً لشهداء سورية لنقف فيه بإجلال أمام تاريخ حافل بالبطولات وقصص الوفاء للوطن والتضحيات المستمرة حتى يومنا هذا، فالعدوان مستمر بأشكاله المختلفة ويزيدنا إيماناً بأن هذه الأرض ستبقى مخرزاً في عيون الطامعين، هذا ما أكده أهل الشهيد علي العلي الشاب الذي لم يتم خمسة وعشرين ربيعاً، والذي استشهد أثناء مواجهته لعملاء الطاغية أردغان من الجماعات الإرهابية القتلة، حيث تقول والدته: كان علي شاباً طموحاً يرغب بدخول الجامعة وإتمام دراسته، إلا أن واجب الوطن كان الأولوية لديه، رغم أنه وحيد ويستطيع التهرب من هذا الواجب، تبكي الأم بحرقة وتتابع: نحن وقفنا إلى جانبه واحترمنا قراره وإن كان وحيدنا أنا ووالده، فهو كان يرى أنه لا يمكن أن يكون شيئاً دون الوطن، وأن النجاح يرسمه الانتصار على أعداء الإنسانية، خاصة أن الكثير من شباب العائلة من أولاد عمومته وأخواله كانوا من جنود الوطن في تلك المواجهات ضد الإرهاب، وبكل بساطة تتابع أم الشهيد: “يا خالتي كلنا فداء للوطن، والله ينصرنا على الظالمين، يلي ما بيخافوا الله”، كثيرة هي الروايات التي تدمي قلوبنا عن الشهداء وعائلاتهم، فمنهم من فقدوا جميع أبنائهم ليحيا الوطن، ولم يبق في البيت سوى والد يستغفر وأم تكلل قبور أبنائها بالورد، لكن العزيمة باقية بحسب الشيخ أبي أحمد الذي فقد ثلاثة من أبنائه، وبقي لديه ابنه الشهيد الحي غدير إسماعيل وهو أصغر أبنائه الذي خسر رجليه في معارك الغوطة، لكنه استطاع من خلال الجهات المختصة تركيب أطراف اصطناعية، وهو الآن يعمل بائعاً بعد أن مكنته الحكومة من افتتاح دكان له ليكسب رزقه ويعيل نفسه ووالديه، يقول غدير: لا نستطيع تجاهل واجبنا تجاه الوطن، فإذا تقاعسنا من سيحمي عرضنا وأرضنا وكرامتنا، نحن أناس لا نملك في هذا العالم سوى هذه الأرض الحنونة، فإذا خسرناها سنخسر كل أملاكنا، وعن إعاقته يتحدث غدير: لا يوجد لدي إحساس بالعجز، فأنا أعمل وأكسب رزقي، وأعتمد على نفسي، ولا أشعر بالضعف، خاصة عندما أتذكر شهداء الوطن، فهم ضحوا بحياتهم من أجل أن يحيا الجميع بكرامة، ونحن بدورنا علينا الاستمرار وبناء الوطن للأجيال القادمة، لأطفالنا الذين حرموا من ألعابهم وطفولتهم في ظل قذائف المجموعات المسلحة وتفجيراتهم وأعمالهم التخريبية.

توجهات حكومية
كل عائلة في سورية قدمت شهيداً للوطن، وبتنا جميعنا أبناء وإخوة لشهداء نفخر ونعتز بهم، حملنا في قلوبنا قصص النضال والمقاومة وشرف الوقوف ضد المستعمر مهما اختلف شكله واسمه، فلم نعد نخشى الموت إذا كان المستقبل مسروقاً ومحتلاً، قصص من الألم والحزن لا يكفي بكاء العالم كله لاعطائه حقه، فمن لا يعلم كيف دمرت مدننا واضطهدت عائلاتنا وسحقت بيوتنا، ولأن شهداءنا هم بوصلة حياتنا وقراراتنا، لم تبخل حكومتنا في إيلاء كل الاهتمام لهم، وتقديم كل ما يمكن لأسرهم وعائلاتهم، حيث جاءت جملة من القرارات والإجراءات لتضمن الحياة الكريمة لذوي الشهداء، لقواتنا في الجيش العربي السوري، وجملة من التدابير والتسهيلات التي تقدمها المؤسسات الحكومية التعليمية والصحية والاجتماعية لهم، حيث صدر المرسوم رقم /44/ لعام 2013 القاضي بتخصيص أبناء الشهداء بنسبة مئوية لا تتجاوز 10% من عدد البعثات الدراسية، ومنح الجامعات الخاصة المخصصة لوزارة التعليم العالي من قانون البعثات العلمية الصادر بالمرسوم التشريعي رقم /6/ لعام 2013، كما صدر القانون رقم /36/ لعام 2014 القاضي بحجز نسبة /50/ لذوي الشهداء ومن في حكمهم من الشواغر المراد ملؤها بموجب المسابقات والاختبارات التي تجريها الجهات العامة وفقاً لأحكام قانون العاملين الأساسي رقم 50 لعام 2004 وتعديلاته، وتم تعديل بعض المواد لتتماشى مع متطلبات ذوي الشهداء، وتعديل المادة /2/ من القانون /36/ لعام 2014 بالسماح لإخوة الأشقاء للشهداء في حال عدم وجود أحد من ذوي الشهيد التقدم إلى المسابقات أو الاختبارات وفقاً لأحكام الفقرة السابقة، أو عند وجودهم وعدم تقدمهم إلى المسابقة والاختبار، كما تضاف علامات تثقيل لذوي الشهداء والإخوة والأخوات الأشقاء للشهيد في المسابقات والاختبارات وفقاً للأسس التي تصدر بقرار من رئيس مجلس الوزراء، كما أصدرت رئاسة مجلس الوزراء القرار رقم 7 /م. و لعام 2017 تم بموجبه منح زوجة الشهيد غير الموظفة فرصة عمل لها أو لمن تختاره من أولادها بموجب عقد سنوي يجدد تلقائياً، والذي تم بموجبه منح /2800/ عقد سنوي يجدد تلقائياً حتى تاريخه، كما صدر المرسوم رقم /4/ لعام 2017 القاضي بتثبيت العاملين المؤقتين بموجب عقود سنوية من ذوي الشهداء، وعقود تشغيل الشباب، وصدر القانون رقم 1/ لعام 2017 القاضي باعتبار العسكري المصاب الذي توفي نتيجة تفاقم إصابته بعد انتهاء خدمته شهيداً.

فرصة التعلّم
خصصت وزارة التعليم العالي ذوي الشهداء بخمسة مقاعد في كل كلية أو قسم أو اختصاص وفق اللائحة التنفيذية لقانون تنظيم الجامعات، ومن ثم تمت زيادة النسبة إلى 15 مقعداً بحسب المرسوم التشريعي رقم /293/ لعام 2016، وتم تخصيص نسبة 2% من عدد المقاعد لقبول الطلاب من ذوي الشهداء المحددين بالمرسوم /293/ لعام 2016 في درجة الماجستير، ودرجات التأهيل والتخصص في كل كلية من الجامعات، كما تم تحديد رسم كل مقرر لذوي الشهداء المقبولين في التعليم المفتوح بمبلغ 500 ليرة سورية فقط عن كل مقرر، وتم تخفيض رسم الخدمات الجامعية بنسبة 75% للطلبة من ذوي الشهداء المسجلين في الجامعات الحكومية السورية في التعليم الموازي للمرحلة الجامعية الأولى، وتخفيض 50% من رسم الخدمات الجامعية لأبناء الشهداء، أو لوالدي الشهيد، أو الأرملة المقبولين في الدراسات العليا وفق مفاضلة التعليم الموازي، وتم حجز نسبة 5% لأبناء الشهداء في المدارس والجامعات الخاصة، والسماح لحاملي بطاقة الشرف من ذوي الشهداء بالاكتتاب في المشاريع السكنية ضمن نسبة50% الممنوحة لذوي الشهداء.

عهد صادق
رغم أن ما قدمه الشهيد أغلى وأسمى مما يمكننا أن نقدم له، إلا أن الحكومة تسعى جاهدة لتقديم جميع الفرص المتاحة لتمكين أبناء الشهداء، فهم الأحق في عملية التنمية والإعمار وبناء الوطن، ومازال شهداؤنا نوراً نفتح أعيننا في كل صباح لرؤيته، ونمشي ونهتدي به في يومياتنا وحياتنا، وإذا كنا اليوم نحارب هذا الشيطان الإرهابي المركّب من دول استعمارية مهيمنة على العالم، فلابد أن يكون نصيبنا الانتصار للحق، ولدماء شهدائنا الإبرار، ولجيلنا القادم الذي سيشحذ هممه لحرب جديدة، فهذا هو قدرنا، وهذا ما ورثناه منذ زمن الأنبياء.

ميادة حسن