يتجدد الفخر في عيدهم.. مدارس في الرجولة وحماة البراءة والطفولة
يتجدد في كل عام اللقاء بأهالي الشهداء الشجعان، الذين كانوا سبباً في استمرار حياتنا، فنفوسهم، ودماؤهم ستبقى حراساً لتاريخنا، وحاضرنا، ورسالاتهم ستبقى امتداداً لرسائل الله لخلقه التي بدأها بالنذر، وتابعها الأنبياء، والرسل، والعلماء الذين ضحوا بالغالي والنفيس لكي يستمر الإنسان في بناء ملك الله على الأرض بأبهى الصور.
كرمى الأبرياء
في نهاية العام 2010 تخرج من كلية التجارة والاقتصاد، وبدأ يرسم خطوط حياته كشاب في مقتبل العمر، وسارع للالتحاق بالخدمة الإلزامية، ولكن للأسف اشتعلت نار الحاقدين من تحت الرماد، ونشروا رعاعهم، وقطعانهم في الشوارع، والساحات، ودنسوا حتى المقدسات، فسارع الشهيد مضر علي حيدر مع زملائه في مهمة إلى حماة، وخاض معركة ساحقة عند هجوم الشياطين على حاجز مأوى العجزة في حماة، ورغم أن عوده في القتال كان غضاً، إلا أن رجولته، وعنفوانه كانتا أشد قوة من جنون الإرهابيين، وعندما اشتد الهجوم على المساتر، وشارفت الذخيرة على النفاذ رفض الاختباء، أو الانسحاب، أو حتى الاتصال مع أهله لتوديعهم، ووقف في مكانه، وقرأ الفاتحة على نفسه، ثم هم مع زملائه للتلاحم، والاشتباك بعد أن شحذ همة الجميع، فحافظوا على نفوسهم، ونفوس غيرهم من الأبرياء.
بعد ذلك استمر غدر الغادرين الذي لاينتهي، فتعرض موقعه لتفجير بعبوة ناسفة، وأصيب البطل في ركبته، وأجريت له عملية جراحية في الركبة، ورغم حصوله على نسبة عجز، ومعاناته من صعوبة المشي تابع الخدمة الميدانية دون كلل أو ملل، وحارب على جبهة قرية المفكر في ريف حماة، وصد أشرس الهجمات مع رفاقه رغم قلة عددهم وعتادهم، وكثرة المهاجمين، بل وحمل جندياً جريحاً مع كامل عتاده لمسافة 500متر رغم صعوبة المشي، وألم إصابته السابقة.
لقد كانت علاقته بزملائه مميزة جداً فلم يتعرف عليه أحد إلا وسحرته طيبته، واستقامته، صدق أخلاقه، ورصانة تربيته.
لقد كان أولاد إخوته وحيه الذي ترعرع فيه في قرى جبلة ينتظرون إجازاته القليلة لأنه كان يعشق الطفولة، ويحضر للأطفال الحلوى، والألعاب.
ثم نفذ البطل مهمته الأخيرة في قرية الزارة بحماة، وارتقى مضر شهيداً بعد اشتباك دام لأكثر من ساعتين.
وأبدى شقيقا الشهيد أحمد، وعقيل فخرهم برجولته، وعنفوانه، ورفضه التخاذل، أو الاستسلام أمام الإرهاب مهما صعبت الظروف، فكان الشهيد على يقين بأن الرجولة موقف، وأخلاق، ومعاملة، وتابع شقيقا البطل، عندما تذكرنا عذابات كل القديسين في معرض نشرهم أسمى القيم الإنسانية، والرسالات السماوية الذين قتلهم الأقوام الفاسقون عرفنا لماذا لم تخجل تلك الرصاصات الغادرة من أن تخترق صدر البطل الطاهر، وبقي جسده الطاهر ينثر العطر في كل أرجاء حماة، وبقي أقصى أحلام أمه أن يعيدوا لها جثمانه الطاهر، وكأنه سيعود حياً، ولتتجدد معاناة الكثيرين من أهالي أبطالنا الذين سبق وشربوا من هذا الكأس العلقمي المر الذي رافقنا لسنوات عجاف.
وتابع شقيقاه، إن ما يخفف حزننا الكبير هو أن البطل لم يترك ساح الوغى كرمى عيون رفاقه الجرحى، ولكي يحمي أطفال القرية المكلف بحمايتها من شرور عبدة الشيطان، ويمكنهم من النجاة بنفوسهم البريئة، ويزداد مع مر الأيام شوقنا لضحكته، ووجهه اليوسفي الجمال، وصوته الجهوري الحنون، والفرح الذي كان ينشره أينما توجه.
القديسون
في ذكرى عيد الشهداء يجدد سامي عبد الكريم يونس التحية لنفس شقيقيه الشهيدين الرائد المظلي راني، والملازم شرف سنان، ويتابع أنه ورغم نار اللوعة، وأسى الفراق يؤمن مع كل أهله أن الحزن والبكاء لن يشفيا غليلاً، وسيبقى المصاب جليلاً، فهما نجمان لا يأفلان ، و كانا ومازالا بنظر الجميع رجالاً في زمن يقال فيه أن الرجال قليل، لقد تميز الشهيدان بحسن الخلق، وعلاقتهما الممتازة بأسرتهما وجيرانهما وطيب معشرهما، والتفاني في خدمة ومساعدة وهو ما تربيا علىه منذ نعومة أظفارهما.
يتابع سامي يونس من الصعب علي أن يباعد بيني وبينهما هذا التراب الذي تطهر بدمائهما وعطر رجولتهما، وسأبقى أردد على العالمين قصة استشهادهما، ومهما فعلت لن أوفيهما حقهما من التقدير، والاحترام، والتبجيل، لقد أثبتا أن قريتهما المتواضعة بيت بدعة في الدريكيش كانت سباقة في التضحية بالشهداء الذين أزهروا من ضلوعها رغم صعوبة الفراق في سبيل استمرار حياة الأطفال والأبرياء وحمايتهم من شر الحاقدين.
بشار محي الدين المحمد