كورونا.. أمريكا وشيطنة الصين!
سنان حسن
منذ تفشى وباء كورنا المستجد في الولايات المتحدة الأمريكية، والساسة الأمريكيون، وفي مقدمتهم الرئيس دونالد ترامب ووزير خارجيته، يوجّهون الاتهامات إلى الصين ومختبر ووهان على أنه المصدر الرئيس لانتشار الفيروس التاجي في العالم، وأن بكين أخفت معلومات مهمة ساهمت بما يجري في العالم اليوم، فما الهدف من هذا الاستهداف الممنهج؟ وهل هو للتغطية على فشل الإدارة الأمريكية في التعاطي مع الوباء، أم أن ما يجري له علاقة بمسار حملة الانتخابات الرئاسية والصراع بين الديمقراطيين والجمهوريين، أو يندرج في سياق سياسة ترامب القائمة على الابتزاز وكسب الأموال؟
لطالما سعت السياسة الأمريكية، مستعينة بماكينتها الإعلامية واستوديوهات هوليود الضخمة، إلى إيجاد عدو وشيطنته وجعله المرتكز في سياستها والأس في فرض توجّهاتها ومصالحها، ولعل الحرب الباردة، والمواجهة مع الاتحاد السوفييتي، والكم الهائل من الأفلام التي أنتجت عن الخطر الشيوعي، مثال واضح على ذلك، وبُعيد انهيار المنظومة الاشتراكية وجدت أمريكا في دعم التطرف الإسلاموي فرصة لاستمرار فرض أجندتها على العالم وفعل ما تريد لتأكيد أنها القطب الأوحد، فروّجت وسوقت للخطر “الإسلامي” الافتراضي، مستفيدة من أحداث مشكوك بمن يقف خلفها “الحادي عشر من أيلول” لتبرير نهجها المتغطرّس على العالم وغزو أفغانستان والعراق. واليوم وفي ظل ظهور قوى دولية صاعدة (الصين – الهند)، إضافة إلى روسيا، وريثة الاتحاد السوفييتي، والتي تعلن أنها لا تريد منافسة أمريكا على الريادة، ولكنها تطالب بنظام عالمي جديد بعيد عن سياسة الكاوبوي، يتمّ فيه ضمان مصالح الجميع، وجدت واشنطن في تفشي كورونا المستجد فرصة لتسجيل ضربة استباقية ضد خصومها ودفعهم إلى التنازل، وربما الانسحاب من المواجهة، فكان اتهام الصين بأنها من سرّب الفيروس التاجي للعالم لخلق عدو جديد، ولكن هل تنجح في مساعيها؟
لقد كشفت أزمة كورونا ضعف النظام الأمريكي الصحي وترهله وعدم قدرته على المواجهة والتصدي، وما يحدث اليوم يؤكّد ذلك، فحجم الإصابات تجاوز المليون وربع، والوفيات ما يقارب 100 ألف، والمخزونات الاستراتيجية الصحية تنفد، الأمر الذي دفعها إلى الاستيراد من الصين، والقرصنة على شحنات طبيبة قادمة إلى دول أخرى، هذا عدا عن الركود الاقتصادي والعجز القياسي الذي بلغ مستويات خطيرة جداً، وأيضاً العطالة غير المسبوقة في سوق العمل، والتي بلغت أكثر من ثلاثين مليون أمريكي، وبالتالي فإن اتهام بكين سيكون مناسباً للتغطية على فشل الإدارة الفيدرالية، ويمنحها أعذاراً مخففة أمام الجمهور الأمريكي، الذي تنتظره بعد ستة أشهر انتخابات رئاسية، فترامب يريد الفوز في دورة ثانية، والديمقراطيون يسعون إلى استعادة الكرسي البيضاوي عبر اللعب على وتر فشل الإدارة الحالية في التعامل مع أزمة كورونا، وخاصة وأن استطلاعات الرأي، حتى الآن، تعطي مرشّح الديمقراطيين جون بايدن تقدّماً ملحوظاً على ترامب الجمهوري.
ومن جهة أخرى، فإن ترامب، ومن منطقه القائم على جعل الجميع يدفع، سواء أعداء أو حلفاء، وجد في تفشي كورونا فرصة لتحقيق ربح مزدوج: الأول، في محاصرة الصين واحتواء تقدّمها وتطورها التكنولوجي والاقتصادي والعسكري، وبالتالي حرمانها من لعب أي دور عالمي محتمل، تحت ذريعة تهديد البشرية باستهتارها في تحذيره من الوباء، والثاني هو تعويض خسائره الاقتصادية عبر تغريم الصين بالمبالغ التي خسرها، وترامب كان واضحاً في ذلك عندما أعلن أنه سيقوم بالحجز على الأصول الصينية إذا ثبت تورّطها بذلك. في المقابل جدّدت الصين مراراً رفضها الاتهامات الأمريكية ولاسيما التي ساقها بومبيو مؤخراً، مؤكدة أنها التزمت الشفافية إزاء تفشي الفيروس وحذّرت العالم بأسره من مخاطره.
وعليه، لغاية أن تنكشف كل خيوط الحقيقة عن انتشار الفيروس التاجي، سيبقى التهويل الأمريكي بالخطر الصيني مستمراً، لاسيما وأن كذبة التدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية الماضية باتت موضة قديمة، وبحاجة إلى عدو خارجي جديد يبررون به سياساتهم وأفعالهم اللاأخلاقية حول العالم، ولكن السؤال: هل تكتفي الصين فقط بنفي الاتهامات أم أنه سيكون لها رأي آخر؟!