مفاوضات ما بعد بريكست إلى طريق مسدود
انتهت الجولة الثالثة من المحادثات بين الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة، الهادفة إلى صوغ علاقتهما المستقبلية، أمس الجمعة، من دون تحقيق تقدم يُذكر، وسط تصاعد في لهجة الخطابات العدائية بين الطرفين المفاوضين.
ولا تزال عدة ملفات شائكة، عالقة على طاولة المفاوضات، والتي تراجع الاهتمام بها مع انشغال بريطانيا ودول الاتحاد باحتواء انتشار فيروس كورونا، إذ يطالب الأوروبيون باتفاق واسع النطاق وطموح يتناول مجمل العلاقة، فيما تسعى لندن إلى اتفاق تبادل حر اعتيادي.
ووفق كبير المفاوضين البريطانيين، ديفيد فروست، فإن العقبة الرئيسة على طريق التوافق هي “إصرار” الكتلة الأوروبية على التزام المملكة المتحدة، بقوانين الاتحاد الأوروبي ومعاييره، إن أرادت الوصول إلى سوقه الموحّدة. وتعارض لندن هذه الخطوة، على اعتبارها سياسة تمييزية وعدائية، فبروكسل لا تطلب من البلدان (خارج الاتحاد – مثل كندا) التي توقّع معها اتفاقيات تجارة حرّة، تلبية هذه المعايير التجارية.
وندّد فروست بـ”التقدم الضئيل” الذي تمّ إحرازه مطالبا بـ”تغيير في نهج الاتحاد الأوروبي” قبل جولة المفاوضات المقبلة في الأول من حزيران، وقال: “من الصعب أن نفهم لماذا يصر الاتحاد الأوروبي على نهج إيديولوجي يزيد صعوبة التوصل إلى اتفاق”.
في المقابل، يقول كبير مفاوضي الاتحاد الأوروبي ميشيل بارنييه، تعليقاً على الموقف البريطاني: “لن نساوم على قيمنا الأوروبية لصالح الاقتصاد البريطاني.. اللعب النظيف في الاقتصاد والتجارة، ليس قابلاً للمساومة”.
وأضاف المفاوض الفرنسي مخاطباً الصحفيين: “في اللحظة التي أتحدّث فيها إليكم، لست متفائلاً. دعوت المملكة المتحدة إلى تغيير تكتيكها إذا كانت تريد حقاً التوصل إلى اتفاق معنا”، وتابع: “بصراحة، لا يزال هناك اليوم سوء فهم حقيقي” مع لندن، محذّراً “إننا مستعدون لجميع الخيارات” بما في ذلك طلاق “بلا اتفاق”.
ويسعى الطرفان إلى دفع الجانب الآخر للتخلي عن مطالب أساسية في المفاوضات؛ فبينما حثّ بارنييه المملكة المتحدة على “تغيير استراتيجيتها”، قال فروست: “نحن في حاجة ماسة إلى تغيير في نهج الاتحاد الأوروبي”.
ويمكن حصر التقدّم الذي شهدته هذه الجولة، وفق تعبير مسؤول بريطاني في حديثه لوسائل إعلام أوروبية، حيث قال: إن “هناك بعض الدلائل على دخولنا مرحلة بدأ فيها الاتحاد في قبول حقيقة مفادها أن المملكة المتحدة لن تغير موقفها”.
ولطالما شدّدت لندن على استعدادها للمخاطرة بانهيار التفاوض من دون الوصول إلى صفقة. وفي المقابل، يبدو الاتحاد الأوروبي مستعداً لاستهلاك الوقت فيما تتجه بريطانيا نحو المجهول.
وبحسب بارنييه: “السوق الموحّدة هي أكبر نقطة إيجابية لدينا ولن نضحي بها من أجل هذه المفاوضات.. لا يمكن للمملكة المتحدة اختيار العناصر الأكثر جاذبية في السوق الموحّدة من دون الوفاء بالتزامات يتوجب على أعضاء الاتحاد الأوروبي أنفسهم الوفاء بها”.
وبرغم أن اقتصاد الاتحاد الأوروبي سيتأثّر بشكل كبير إن خرجت بريطانيا من دون صفقة، تصرّ بروكسل على أن المملكة المتحدة لديها الكثير لتخسره وفق سيناريو الفشل.
وبعد خروجهم رسمياً من الاتحاد الأوروبي في 31 كانون الثاني، دخل البريطانيون مرحلة انتقالية تمتد حتى نهاية العام الجاري، يواصلون خلالها الالتزام بمعايير الاتحاد الأوروبي. وعلى المفاوضين أن يقرروا مبدئياً في حزيران إن كان سيتم تمديد المرحلة الانتقالية لمنح أنفسهم مهلة إضافية للتفاوض. لكن لندن ترفض هذه الفكرة رفضاً قاطعاً، على الرغم من البلبلة التي سبّبها فيروس “كورونا” في جدول المفاوضات، كما في شكلها إذ باتت تجري عبر الفيديو حصراً.
وعلّق مصدر أوروبي بالقول: “يبدون على قناعة بإمكانية الاستغناء عن (تمديد المهلة)، وبالتالي سوف نستغني عن ذلك. لكن في الأمر قلة منطق”، معتبراً أن البريطانيين يظهرون “سوء نية تقترن بقلة بصيرة اقتصادية”، فيما قال مصدر بريطاني مطّلع على سير المحادثات: “لا نريد (تمديد المهلة). لن نقبل بذلك إذا اقترحوه علينا”.
ووصف مصدر مطلع على سير المفاوضات نبرة المحادثات هذا الأسبوع بأنها كانت “حازمة وطغت عليها بعض الخشونة أحياناً”، خلافاً للجولات السابقة، وقال مصدر أوروبي آخر: “ارتفعت النبرة قليلاً خلال هذه الدورة”، معتبراً أن الأسبوع كان “محبطاً”، مضيفاً: “إننا نراوح مكاننا والوقت يمرّ” في غياب “رؤية مشتركة لما نحاول التوصل إليه”.