ترامب يستدعي أشباح المكارثية
ترجمة: عناية ناصر
عن موقع غلوبال تايمز 16/5/2020
يعبر عدد من الدبلوماسيين والخبراء الأمريكيين عن مخاوفهم من عودة شبح المكارثية للظهور مجدداً في الولايات المتحدة، بل ويبدون قلقهم من ذلك. ففي مقابلة مع شبكة “سي إن إن” في السادس من أيار، أعرب السفير الأمريكي السابق في الصين ماكس بوكوس عن خشيته من تشدد خطاب إدارة ترامب القوي جداً ضد الصين محذراً من توجه الولايات المتحدة إلى عصر يشبه عصر جو مكارثي عندما كانت مهاجمة الشيوعية والاتهام الأحمر مسيطراً على وزارة الخارجية.
ويقول الأستاذ بجامعة كولومبيا جيفري ساكس: “إن ترامب هو النسخة الراهنة من جوزيف مكارثي الذي كان يستخدم الأكاذيب لإخافة الأمريكيين ودفعهم للخضوع”.
هذه التصريحات العقلانية والموضوعية تطلق تحذيراً خطيراً للغاية من أن يقود الجو السياسي تجاه الصين، وتصرفات إدارة ترامب على وجه الخصوص الولايات المتحدة إلى عصر يخيم عليه شبح المكارثية.
إن العلاقات الصينية الأمريكية هي في أسوأ حالاتها على مدار السنوات الأربعين الماضية، واللوم في ذلك يقع على إدارة ترامب لحد كبير، سواء ما تعلق بالفيروس التاجي والزعم بأنه نشأ في مختبر ووهان، أم الادعاءات التي لا أساس لها، بأنه يجب مساءلة الصين عن الخسائر التي سببها الوباء للولايات المتحدة، فإن هذه الظواهر توضح أن بعض السياسيين الأمريكيين وإدارة ترامب يحاولون إحياء المكارثية في أمريكا، من أجل مصالحهم السياسية وإعادة انتخابهم.
يقول السفير بوكوس: “كان الكثير من الناس يعرفون أن ما كان يجري خطأ، لكنهم لم يعترضوا ولم يقولوا أي شيء بشأنه، لأنهم كانوا يشعرون بالخوف”.
ومع المبالغة المتزايدة في التركيز على المشكلات في العلاقات بين الصين والولايات المتحدة، بسبب تضارب الأيديولوجيات والنظام السياسي يخشى العديد من الأمريكيين من أن يصبحوا أهدافاً للانتقاد إذا أبدوا ملاحظات عقلانية وموضوعية نسبياً، أو إذا قالوا شيئاً إيجابياً عن الصين.
وفي مناخ الخوف هذا، يختارون أن يظلوا صامتين خشية اتهامهم بأنهم “موالون للصين” أو “للشيوعية”، وهم يخشون من فقدان وظائفهم وضياع مستقبلهم. وهذا ما يكشف عن الوجه المشوّه واللا عقلاني في سياسة الولايات المتحدة، وإذا استمر مثل هذا الوضع، فسوف يجر العلاقات الصينية الأمريكية إلى هاوية خطرة.
ما تفعله إدارة ترامب الآن هو تدمير للثقة المتبادلة بين الصين والولايات المتحدة، وبالنظر إلى استمرار ترامب وبعض السياسيين الأمريكيين بالإدلاء بالاتهامات المتكررة للصين، فمن الصعب التكهن بموعد عودة العلاقات الطبيعية بين بكين وواشنطن من جديد.
لا تزال الولايات المتحدة غارقة في آلام الوضع الوبائي الخطير للغاية، مع ما يزيد عن 1.36 مليون إصابة وأكثر من 82000 حالة وفاة. وعلى إدارة ترامب أن تتحمل المسؤولية الرئيسية بسبب استجابتها الفاشلة لوباء COVID-19. وإذا استمر البيت الأبيض في التركيز على توجيه الاتهامات للصين بدل إعطاء الأولوية لمكافحة الوباء، فإن سلوكه هذا لن يأتي في نهاية المطاف إلا بنتائج عكسية، وسيؤدي ذلك إلى تآكل احتمالات إعادة انتخاب ترامب.
ومع ذلك، فإن ثمة أملاً، إذ إن هناك أصواتاً أخرى داخل أمريكا تدعو إلى تعاون صيني- أمريكي لمكافحة الفيروس. وإذا تخلت إدارة ترامب عن عقلية الحرب الباردة وأوقفت لعبة تبادل الاتهامات، فيمكن لها أن تساعد في كبح جماح الفيروس، ذلك أن الصين قاعدة إنتاج للعديد من الأجهزة الطبية والأدوية الهامة، ولديها خبرة سريرية في التعامل مع الفيروس، والولايات المتحدة ستواجه صعوبات وتحديات كبيرة في التعامل مع الفيروس دون دعم الصين.
إن السياسيين الأمريكيين الذين يحاولون إحياء المكارثية يدركون ذلك جيداً، ولكنهم وبسبب أنانيتهم وضيق أفقهم، يريدون اللعب بورقة الصين من أجل مصالح سياسية قصيرة المدى، الأمر الذي يترك العلاقات الصينية الأمريكية في مهب الخطر. وإذا تم إحياء هذه المكارثية مجدداً في الولايات المتحدة، فإنها ستؤشر إلى بداية حرب باردة جديدة بين الصين والولايات المتحدة، ولن يقتصر الأمر على كارثة تحل بالعلاقات الثنائية، أو على عقبة تعترض التبادل بين الطرفين، بل إن ذلك سيشكل تهديداً خطيراً للسلم والاستقرار الدوليين، ما سيؤدي إلى تخريب النظام الدولي القائم، وترك العالم في فوضى لا يمكن التنبؤ بما ستؤول إليه.
إن التشدد تجاه الصين، الآن أو في المستقبل، ومحاولة جعل كل إجماع داخل الولايات المتحدة، هو أمر مؤسف، ولا سيما أن قوى مختلفة تحاول اغتنام الفرصة لإثارة قضية تجاه الصين. لذلك فإن الصين لن يتم تخويفها بمواجهة عدوان أمريكي، وهي سترد بقوة على الاتهامات الأمريكية، التي لا أساس لها، لتكشف النوايا الأمريكية الخبيثة. والأهم من ذلك ستدير الصين شؤونها الخاصة بعناية، وستعزز تعاونها مع الدول الأخرى لمكافحة وباء الفيروس التاجي، ولتوفير المزيد من السلع العامة للعالم، وستستمر بلعب دور إيجابي في السعي للقضاء على لعنة فيروس كوفيد.