ثقافة

براءة اختراع!

بشرى الحكيم
لا يخفى على أحد أن الحرب الكبرى التي تخاض على “محور المقاومة” بكل أشكالها وعناصرها، إنما ترافقها حروب إعلامية لا تقل عنها أهمية، وهي تتخذ أشكالاً وأنماطاً متعددة ليس أولها حجب القنوات السورية والميادين، ولن يكون آخرها حجب قناة المنار، ذلك -للمفارقة الكبرى وسخرية الأقدار- لإيمان من الطرف الآخر بأهمية دور الإعلام المقاوم الذي ساهم على الدوام في كل انتصار على الأرض.
وربما كانت معارك الأمس تجري في الخفاء- ليس حياء بالطبع- فتمرر القرارات دون أن تنطلي أهدافها على أحد، لكنها اليوم باتت تجري بكل وقاحة لمعاقبة كل صوت يدأب على قول الحقيقة ويجاهر بها غير عابئ بالتبعات التي ستقع عليه فيما بعد، وهي في مجملها أصوات وقفت إلى جانب بلدنا خلال حرب تجاوزت سنواتها الخمس، فاضحة حقيقة مشاريعهم التي تتماهى بأهدافها وخطواتها مع العدو الأول وما كان يحلم به على الدوام.
وهل يمكن لأحد أن ينكر أو أن يعمي عينيه عن الدور الذي يتنكبه الإعلام المقاوم في هذه الحرب التي بات الجميع يعلم أنها جزء رئيسي في مشروع كبير هدفه خدمة إسرائيل ومن يقف خلفها، وأن ما جرى ليس إلّا خطوة من خطوات مُعَدَة ومرسومة تثبت أن لهذا الإعلام دوره في إيصال الصوت إلى العالم، وقدرته على كشف فضائح أنظمة تتكشف عوراتها مع كل هبة ريح.
ألم نُواجَه بالعداء قبل اليوم؟ ترى لماذا يمنع المسؤولون الأمريكيون مراسلي المنار من حضور مؤتمراتهم؟
ومن منع القناة ذاتها من البث في فرنسا سوى المؤسسات اليهودية التي ضغطت  لإيقاف بثّها على القمر”يوتلسات” سنة 2004.
ألم تحظر القناة على القمر “تاربس” في أستراليا بطلب من أرييل شارون ذاته؟
وما المغزى من منع شارتها على القمر العمومي “ايبسات” في العام 2004 في إسبانيا أيضاً؟
هل يمكن لهذه الأحداث أن توصف بالبراءة؟ وهي تصب بكل وضوح ضمن سلسلة متتالية لخطٍ ممنهجٍ غيرُ خافٍ على أحدٍ هدفه بالانتقام من محورٍ قادرٍ على الثبات في وجهه؛ لا بل الانتصار عليه في كل موقعة، وهو وإن اختلف في الوسيلة فلا يختلف بشيء عما قامت به الطائرات الإسرائيلية في حرب الـ 2006 عندما عمدت إلى تدمير بناء القناة بالكامل، في محاولة لإسكات الصوت الذي أوصل بِشارات نصرنا وأصداء هزيمتها إلى الملأ، الصوت النابض بروح المقاومة والمقاومين وكل حرّ مؤمن بأحقية المجتمعات في الدفاع عن قضاياها وحقها في الحياة.
وهل تراه صمت الصوت من قبل؟ ألا يتهادى صوتنا مع كل انتصار ينجز ليلاقي الهتاف في كل أصقاع الأرض؟
لكن أيضا للحق كلمة لابد أن تقال: عندما يتحكم أعداء الحرية بفضاءات الحرية وأقمار الإعلام، لا بد لنا من الخشية على الأفواه أن تكمّ، وعندما يتحكم حملة السيوف وقطاع الرؤوس بفضاء الإعلام لا بد أن نتوقع وقوع السيف على رقابنا؛ ليست دعوة للخنوع ولكنها دعوة باتت مكرورة ومكررة للبحث عن وسيلة تنجينا من الابتزاز المستمر؛ بالرغم من أن أي حجب لن يكون عائقاً يمنع وصول الفكر/ الصوت… وصداه، بينما لا سقف لدرجة الغباء الذي وصله البعض وهو يحاول إخراس الصوت في زمن الفضاءات المفتوحة!.
فيا أيها العربان المنادين بالحريات، إن “براءة الاختراع في المنع” خاصتكم، باتت موضة قديمة “دي موديل يعني” في زمن السوشال ميديا حيث بات الوصول إلى أقصى أقاصي الأرض، أسهل من وصول نصف مجتمعكم للجلوس خلف مقود سيّارة.