تحقيقات

التنشئة الاجتماعية.. امتثال تربوي للأنظمة والأسرة أهم المؤسسات التربوية

إن مسؤولية الأبوين ليست مقتصرة فقط على توفير احتياجات أطفالهما وفقاً لما أكدته الباحثة الاجتماعية يسرى محمد، بل بتربية الأبناء وتعليمهم على التعامل مع طرق الحياة بخبرة وحرفية مع الحفاظ على المبادئ والقيم، وهذا يحتاج أن يقوم أهلهم بتطبيق ما يربونهم عليه بشكل فعلي، حيث يتوجب على الأبوين احترام قوانين النظافة أمام طفلهم كعدم رمي بقايا الطعام من السيارة لكي يقتنع الطفل بهذه القوانين ويقلد والديه بهذا السلوك الإيجابي، وبالتالي فإن المسؤولية الكبرى تقع على عاتق الأسرة، وليس المدرسة، أو المجتمع لوحدهما كما يظن البعض، وأن غرس الوطنية في نفوس الصغار هو من أهم القيم، وعلى الأسرة تعليمهم أيضاً الطريقة الصحيحة لكيفية الامتثال للقوانين بطريقة ذاتية، وبعيدة عن الإكراه، وهكذا فإن الطفل عبر آلية التنشئة الاجتماعية يندمج، ويقلد، ويتعلم من الأسرة، ثم من المحيط الاجتماعي، وإن التزام الأهل بالمعايير، والقوانين والأنظمة سيكون المعيار الأول الذي يمكن أن يستند إليه الأطفال، ويكتسبون من خلاله مهاراتهم وخبراتهم، فكما يكتسب الطفل آداب الجلوس لمائدة الطعام بصورة صحيحة، وكذلك آداب الحوار، وآداب الاتصال مع الآخرين سيتعلم احترام قوانين المجتمع الذي يعيش فيه حتى من أبسط الأمور، وبالنظر لواقع مجتمعاتنا نلاحظ أن الطفل في مجتمعنا يعتبر أبسط القوانين أموراً معقدة ودخيلة، وغالباً لا يحترمها إلا مجبوراً، وسيشب على ذلك مهما تقدم بالسن، في حين نلاحظ أطفال بعض المجتمعات المتحضرة تعتبر القوانين نابعة من الذات، وواجبة الاحترام بغض النظر عن العقوبة أو مفهوم الذنب، وهذا كله مرهون بالأسرة أولاً، ومن ثم المؤسسات الاجتماعية المتنوعة.

التهديد لغة الضعفاء
للأسف يلجأ الكثير من الأهل لتهديد وتخويف الطفل عند تربيته وتنشأته على المبادئ الأخلاقية، وكذلك الأمر بالنسبة للمؤسسات الاجتماعية, والدينية ظناً منهم أن هذا سيضمن طاعة الطفل العمياء، والتزامه الكامل بالمبادئ الأخلاقية وفقاً للمرشد الاجتماعي أدهم حسن، وطبعاً هذا سيسبب ابتعاد الطفل عن القانون وقواعده، والتي قد يتصورها الطفل أنها مغايرة للدين، والأخلاق، فعندما يكبر مثلاً ويصبح تاجراً سيؤدي مبلغاً من المال للفقراء ظناً منه أن ذلك سيغفر ذنوبه، أوغشه، في حين أنه سيتهرب من الضرائب المفروضة على تجارته لصالح بناء كل مؤسسات الدولة ظناً منه أن دفع هذه الضرائب لا يستند للمبادئ الأخلاقية، ولا الدينية، وهو مجرد قانون وضعي، أو بدعة فنرى أن التهرب الضريبي هو أحد السمات المميزة لمجتمعاتنا وحتى الآن تتغنى معظم الدول العربية بنشر الوعي الضريبي الذي فشلت التربية بغرسه في غالبية العقول، أو أحياناً تتم تربية الطفل على الكذب، والوعود البراقة لحثه على الطاعة دون التركيز الإيجابي على ثمار الإلتزام، فقد تكون المبادئ والقوانين قد سنت لسلامة الطفل أولاً وأخيراً لكنه لا يدرك ذلك لعدم توعيته من قبل الأهل، ونلاحظ المجتمعات المتقدمة تنشأ الطفل على أن لا يتجاوز القوانين، والقواعد الأخلاقية ليحوز على الاحترام والاستحسان من ذاته، ومن ثم الحصول على احترام الآخرين له، و ليكون جيداً في نظر نفسه قبل نظرة الغير له، أما إذا تمت تربيته على أن ينتظر استحسان الغير فهذا سيولد لديه نوعاً من النفاق، وحب المظهر بغض النظر عن الجوهر، ولن يلتزم بالمبادئ الأخلاقية، أو القوانين من تلقاء ذاته بل سينتظر رؤية الآخرين له، وشكرهم.

المحتوى ووسائل التواصل
درجت في المجتمعات الصينية، واليابانية فكرة نشر المبادئ الأخلاقية، والقيم المدافعة عن مجتمعاتهم، وإظهارها بصورة حضارية ومسالمة ومدافعة عن الخير، لنبذ الصورة الدموية العنيفة، والحروب، والدماء التي كانت سائدة لديهم سابقاً، ونجحوا في نشر هذه الأفكار في مجتمعاتهم عبر الأفلام الكرتونية بل وقاموا بنشرها في كل دول العالم، وكان لها تأثير إيجابي ورائع على الأطفال من خلال تعليمهم أن الخير دائماً يغلب الشر مهما كان دعاة الخير من الضعفاء وباستخدام كافة الوسائل ضد الأشرار والخارجين عن القانون والأخلاق وفقاً لما أكده الباحث الاجتماعي ياسر إبراهيم، أما حالياً فإن الطفل يتأثر ببرامج التواصل الاجتماعي على الجوال ويختار محتويات كثيرة قد لاتتناسب مع عمره العقلي، والزمني، فتلاحظ عدداً كبيراً من الأطفال يشاهدون مقاطع رائجة على موقع يوتيوب تصور سيارات تقوم بتحطيم الألعاب، أو الفواكه، أو البيض، أو علب الكولا تحت إطاراتها، وقد تحطم أشياء أخرى فقط لمجرد جمع الأرباح، ونشر الإعلانات ولو على حساب الإساءة لذات الطفل ومبادئه الأخلاقية في الحفاظ على النعم، وتعلم العطاء بدلاً من تعليمه التخريب، وإثبات الذات من خلال العنف، ونستغرب إصرار العديد من الأفلام الأمريكية على تصوير الدماء، والأشلاء، وتفاصيل غرغرات الموت وكأنها مشاهد ضرورية لإضفاء روح الأكشن، أو كأنها قيم اجتماعية يتعطشون لغرسها في ذات المشاهد الذي قد يكون طفلاً غير مميز، وتعرض هذه الأفلام في كل الأوقات، ونشاهد في الكثير من الأحيان الطفل يصرخ، أو يبكي عند انتباهه للشاشة أثناء مرور تلك المشاهد، فعلى سبيل المثال عرضت قناة mbc2 خلال فترة عيد الفطر وأثناء الظهيرة مشهداً لرجل قام بوضع مسدسه برأس رجل آخر، وقتله ومن ثم أخذ يحرك الرأس، والدماء تنهمر منه، وبعد عدة دقائق تم تصوير جثة رجل في المشرحة، والدماء تسيل من منطقة البطن، وأكيد شاهد عدد كبير من الأطفال هذه المشاهد، ترى ما الهدف من ذلك هل هو متعة الأكشن فعلاً، أو التسلية؟ إن الطفل بعد فترة سيستحسن تلك المشاهد، وتنغرس في داخله، وربما يستعين بها مستقبلا في أي موقف أو خلاف مع أقرانه متناسياً المبادئ والقانون حتى لو كانت العقوبة كبيرة.
بشار محي الدين المحمد