تحقيقات

إحداث هيئة ناظمة.. المبيدات الكيميائية استنزاف للمزارعين واختبار للإرشاد الزراعي!!

مع بداية كل موسم زراعي تتعالى أصوات المزارعين بسبب ارتفاع تكاليف العملية الإنتاجية، وأهمها المبيدات الكيميائية، والأهم من ذلك عدم فعالية أو صلاحية تلك المبيدات في الكثير من الحالات التي تزيد “الطين بلة” كما يقال، ومع ذلك لم تسارع الجهات الحكومية لإيجاد الحلول الناجعة باستثناء بعض التصريحات عن إحداث مراكز مكافحة حيوية، أو إقامة حملات توعية للفلاحين، وإرشادهم حول المكافحة الحيوية، وكلها حلول لا تغني ولا تسمن من جوع سابقاً أو حالياً، وتتجاهل تلك الجهات عملية الإنتاج المحفوفة بالكثير من المخاطر، “وحرق الأعصاب” حتى الوصول إلى النهايات، فمن المسؤول عن انتشار أدوية غير نظامية في الأسواق؟ وأين دور الوحدات الإرشادية في عمليات المتابعة؟ ومن يتحمّل تبعات تلك الخسائر؟

دور مهمّش

مجموعة من المزارعين الذين التقيناهم حمّلوا المسؤولية لدور الوحدات الإرشادية المهمّش، وعدم حضورها بين الفلاحين كمرشد وموجّه خلال فترة الموسم في المنطقة، واقترحوا بأسلوب ساخر تحويل مقر الوحدات الإرشادية إلى صالات أفراح بدلاً من أن تأخذ مكاناً، ولا يستفيد منها المزارعون شيئاً، وأكدوا أنهم يعانون من كثرة حالات الإصابة بين الثمار، وعدم فعالية المركبات الموصوفة للرش، مع اختلاف الضرر من محصول لآخر، خاصة في السنوات الأخيرة، حيث بات الخطر الأهم، إلى جانب العوامل الجوية، هو عدم فعالية المبيدات الحشرية في ظل ضعف الرقابة الحكومية عليها، وسيطرة السوق السوداء على عمليات البيع، ما انعكس بشكل واضح على جودة الإنتاج وتسويقه، وبالتالي المردودية المالية،
وأشاروا إلى أن مشكلتهم الأساسية اليوم هي المبيدات الكيماوية التي ترهقهم بسعرها، وهي غير موثوقة، خاصة أن معظمها يأتي تهريباً أو يكون محتكراً لشركات معينة تتلاعب به، مؤكدين أن المبيدات المهربة غير موثوقة نهائياً، والكثير منها مزور أو منتهي الصلاحية ومجدد، وقد تكون مواد غير آمنة وشديدة السمية، وهذا له انعكاس عبر الأثر المتبقي الذي ينعكس على صحة الإنسان، وعلى عمليات تصدير المادة، مؤكدين عدم قدرتهم على استخدام مانعات الانسلاخ، فهي غير متوفرة في الأسواق، وكلفتها مرتفعة جداً.

مانعات الانسلاخ

قد يعود انتشار دودة الثمار (السوس) في محصول التفاح إلى عدم التزام الفلاحين بمواعيد الرش، وضعف الخبرات الزراعية لديهم، إلا أن عوامل أخرى تلعب دوراً في ذلك، يشرحها المهندس أحمد حاتم نقيب المهندسين الزراعيين، حيث يقول إنه جرت العادة في السويداء على استخدام مبيدات محددة لأكثر من 30 عاماً، ما أدى لظهور سلالات مقاومة لهذه المبيدات، وبالتالي لابد من تأمين مبيدات حديثة، ومنها مانعات الانسلاخ لما لها من ميزات هامة، منها فترة الفعالية التي تصل إلى 30 يوماً، وهذا يقلل عدد مرات المكافحة التي تتم كل 18 يوماً باستخدام باقي المبيدات، وكذلك فإن مانعات الانسلاخ تعتبر من المبيدات خفيفة السمية، ولا تؤثر على الأعداء الحيوية الموجودة بشكل طبيعي بالبيئة المحلية، إلا أن استخدامها يصطدم مع عدة معوقات، أهمها عدم توفرها في السوق المحلية بشكل نظامي، وارتفاع أثمانها أضعافاً عديدة مقارنة مع المبيدات التقليدية الموجودة، وبحساب بسيط لاحتياج الفلاح لعمليات الرش نجد أن تكلفة الدونم الواحد ٦١١٠٠ ليرة سورية، ويزيد إجمالي مدفوعات محافظة السويداء لعملية المكافحة، حسب المهندس حاتم، أكثر من ١٠ مليارات ليرة سورية، ومع ذلك، ورغم كل هذه المدفوعات، نجد أن آلاف الأطنان تصاب سنوياً، وبالتالي يخسرها الفلاح، أما الثمار التي تكون سليمة فيعاني الفلاح من بيعها للخارج جراء السموم، أو ما يسمى الأثر المتبقي فيها.

نقص في الأدوية

صاحب الأربعين عاماً من الخبرة المهندس كمال العيسمي يقول: إن الشركات السورية لوقاية المزروعات تعاني من نقص في بعض الأدوية، وقلة ثقة الفلاحين بمدى فعاليتها، ولكن لا توجد خيارات واسعة أمام أصحاب الصيدليات، فليس هناك سوى ثلاث شركات وطنية محلية تفرض سياستها عليهم كتحميلهم لأنواع من الأدوية “تندر” الحاجة أو الطلب عليها، وبالمقابل أيضاً فإن الشركات الخاصة تفرض أسعارها على السوق بالدولار دون مراعاة ظروف الفلاح واقتداره، وبالنظر إلى قانونية هذه الأدوية، يجيب العيسمي بأن جميعها، سواء كانت محلية أو أجنبية، يجب أن تكون ممهورة بموافقة مديرية البحوث الزراعية، ووزارة الزراعة، ونقابة المهندسين الزراعيين، مع مراقبة الصلاحية النقطية على الغطاء، علماً أنه لا يجب طرح أي منتج في السوق قبل أن يمر على مركز البحوث للتأكد من النسب المطروحة على العبوة، وضمن فترة تجريبية لمدة ثلاث سنوات للتأكد من فاعليتها على الأشجار المثمرة، وانحلالها الصحيح بالتربة، ويضيف العيسمي: “إن العقلية الزراعية غير الحرفية للفلاحين هي العامل الرئيس في الوقوع بفخ قلة الإنتاج، وتناقل الأمراض بين الثمار الموسمية مقارنة مع الفلاح الأمريكي”، وحسب مجلة الأغذية الزراعية والعربية من الخرطوم، فإن كل فلاح أجنبي يوازي بخبرته ٦٥ فلاحاً عربياً على الأقل، رغم أن الطاقة العاملة للولايات المتحدة هي ٩ بالمئة من مستوى العالم، لكنها تشكّل ٣٥ بالمئة من الإنتاج الزراعي العالمي، وهنا يكمن دور الإرشادات الزراعية المنتشرة في أنحاء المحافظة بلا جدوى أو عمل يذكر!.

صيدلية فلاحية

وبالحديث عن المبيدات الكيماوية نتذكر وجود صيدلية زراعية تتبع لاتحاد الفلاحين، وهي تبيع الأدوية الزراعية بدفع ٥٠% من قيمة الأدوية، وإبقاء باقي المبلغ حتى نهاية الموسم، حسب إحسان جنود رئيس اتحاد فلاحي السويداء الذي أكد أنه يتم استجرار المادة من شركات مرخصة أصولاً، وإنتاجها مراقب، مؤكداً أن المشكلة الأساسية اليوم هي ارتفاع الأسعار، وعدم استقرارها يومياً حيث أدى ذلك إلى إحجام الشركات عن توريد الأدوية بالشكل المطلوب.
طبعاً كلام جنود هذا يقودنا للحديث عن أهمية دعم صيدلية الفلاحين بالتنسيق مع مديرية الزراعة والمصرف الزراعي لتقديم قروض ميسرة للمزارعين، ومراقبة المبيدات وجودتها وصلاحيتها بالشكل الأمثل، وعدم ترك المزارعين عرضة لابتزاز القطاع الخاص وشركاته المحتكرة.

هيئة ناظمة

إذا كانت الأرقام تشير إلى أن مجموع المبالغ التي ينفقها مزارعو السويداء وحدهم نحو ١٠ مليارات ليرة للتفاح وحده، مع مبلغ مقارب منه للعنب والزيتون، وأضعافه في باقي المحافظة.
وبعيداً عن تقاذف المسؤوليات، تبرز أهمية إحداث هيئة مستقلة للمكافحة تكون مهمتها إيجاد حلول فاعلة تنهي تلك المعاناة عبر مراقبة تلك المبيدات ومعاملتها معاملة الأسمدة لجهة احتكارها من قبل تلك الهيئة، وتوزيعها على المزارعين، مع ضمانها لموثوقيتها، وبأسعار مدعومة حكومياً عبر صندوق يؤسس لهذه الغاية.

رفعت الديك