فاتح المدرس.. عاشق الأرض والإنسان
يزهو التشكيل السوري بقامات كبيرة من الفنانين المبدعين الذين أثروا الحياة الثقافية والتشكيلية السورية والعربية ورفدوا المنجز الفني العالمي بخصوصية حضارية تنتمي إلى هذه البلاد العريقة في حضارتها وفنون أهلها، وفاتح المدرس أحد هذه العلامات الفارقة في التشكيل السوري فهو المعلم لأجيال من الفنانين ورائد الحداثة في التشكيل السوري وصاحب أكثر من إبداع، تعدد في جوانبه الفنية والأدبية والموسيقية وصاحب تأثير كبير في الوسط الثقافي، فقد تحول مرسمه في قلب العاصمة دمشق إلى مركز ثقافي تؤمه نخبة المثقفين السوريين لعقود من القرن الماضي، وقلما يخلو مرسمه من كاتب أو أديب أو موسيقي أو فيلسوف، كما لا يخلو من ذلك الإنتاج العظيم الذي يتمحور موضوعه حول الإنسان السوري والأرض السورية، خاصة تلك السهول المعطاءة في الشمال السوري، حيث ركز فاتح المدرس تجربته حول المرأة والطفل والتربة الحمراء الغنية بخيراتها فاحتلت حيزاً كبيراً في عالم لوحته اللوني وأغنت في عاطفة الخط المرسوم والمحدد لهذه المساحة من اللون البني المائل إلى الحمرة والمحدد بخط النمل الكسور، فاتح المدرس نقل عالم اللوحة من الرسم التسجيلي الساذج إلى رسم الروح والفكرة العميقة التي تنتمي إلى مكانها فلم تغريه إلا ملامح أهل بلاده وقسماتهم التي تمتد إلى حضارات سورية الغنية، فكان يرسم بتأمل وحزن شديدين وبعمق العارف العاشق الذي لا يجد خلاصاً إلا بالفن واللوحة والجمال.
في الندوة التي دارت على مدرج مكتبة الأسد وبمشاركة الفنان عبد الكريم فرج والناقد سعد القاسم اللذين قدما إضاءة على هذه التجربة الثرية، نقلت إدارة الندوة من قبل الأديب إسماعيل مروة حيز الندوة من التشكيلي إلى الأدبي، وجعلت منها ندوة نقدية أدبية عما كتبه الراحل، وخاصة مجموعته القصصية عود النعنع، وللتذكير بأن منتج فاتح المدرس الأدبي يستحق حيزاً كبيراً من الدراسة ومن الصعب فصله عن الجانب التشكيلي أيضاً، ما يقتضي من الباحثين في تجربة فاتح الانتقال من حيز التعريف والإيجاز” البيبلوغرافي” إلى مساحة الدراسة المعمقة للوحة فاتح وسيرتها الطويلة بدءاً من لوحة كفر جنة إلى منتج السبعينيات إلى نهاية حياته وما وصلت إليه هذه اللوحة، كما لابد من السؤال في كنه هذه الشخصية المركبة والفصل بحساسية كبيرة بينها وبين اللوحة بوجودها المادي أمام المتلقي العاري من أي تعبئة مسبقة، حينها سيكون وجهاً لوجه أمام سورية الجميلة المرسومة ببراعة الفنان وحساسية الطفل الكبير وراء هذا العالم من الألوان والخطوط وصولاً إلى اليقين أن لا فن بلا إنسان، ولا إنسان بلا أرض ووطن.
أكسم طلاع