“كازنوفا” الدراما المحلية !!
إن كان الفنان ولاعب كرة القدم السابق يزن السيد، يعي حجم وطبيعة الإساءة والأذى الذي تسبب به لأخوته في الوطن، الذين منهم اليوم جزء موزع على بقاع مختلفة من العالم، أو ما بات يسمى على الشاشات المعروفة ب:”الشتات السوري”، أو الذين في البلاد، من خلال مشاركته في إعلان دعائي يظهر فيه كمتحرش لا بالجنس الآخر، بل بجنسه، ثم وعوض أن يعتذر أو يُظهر ولو شكليا شعوره بالندم على ما اقترف، راح يبرر ما لا تبرير له، وليته علل بأن الأجر كان مغريا، لكنّا فكرنا في عذر له،فإغراءات المال هي الأشد ضغطا بعد إغراءات السلطة، عدا عن كون “الفلوس” هي اليوم شئنا أم أبينا فوق كل قيمة ومبدأ وبهذا يمكن إيجاد عذر ولكن لا يمكن القبول بالأمر، فالدور المخزي لكل سوري -وأولهم هو- الذي ظهر فيه، في حال كان يعي ذلك مرة أخرى، يضعه أمام معضلة أخلاقية لا أعلم كيف سيواجه تداعياتها، لا أمام كل من شعر من السوريين بالإهانة والمرار بسبب فعلته، بل أمام نظرات ابنه على الأقل وهو يشاهد والده، عالمه كله، أمانه، مثاله الناصع عن كل ماهو صاف ونقي، بالمظهر إياه، سواء الآن أو في المستقبل، وإن لم يكن يعي فهذا يعني أن فكرته عن التمثيل منسجمة مع طبيعة العديد من الأدوار التي قدمها في مسلسلات، كلمة “مخجلة” لا تفيها طبيعتها، لكن في حالة الأعمال الدرامية تلك، فالرجل ممثل، والممثل يؤدي أي دور يُسند إليه هذا من الناحية المهنية البحتة، دعونا من فكرة أن الفنان حَمّال قيم، فقد اهترأت هذه الفكرة وتبخرت قيمتها الفعلية منذ زمن.
عندما ظهرت في بداية الموسم الدرامي دعاية أعلانية أيضا لمنتج غذائي، قام بتأدية الأدوار فيه فنانان لهما وزنهما عند الجمهور –النخبوي منه بشكل خاص، مع اعتراضي على مفهوم نخبوي-قامت الدنيا ولم تقعد، منشورات مستنكرة، مخذولة، مصابة بالصدمة اللاحسية المنبلجة من القاع، وأغلبها كان لجماعة “الثقافة” بشكل خاص، رغم أن الإعلان إياه جاء منسجما والحالة التي كانت إطاره، وبغض النظر عن مختلف الآراء المتنابذة بسببه، لكنه فنيا مشغول بمهارة وذكاء وفيه تجديد في النظرة لمفهوم الدعاية الإعلانية لدينا، ومن الطبيعي أن لأي ممثل مهما كان نجمه محبوبا عند الجمهور، أن يُقدم على خطوة كهذه في مسيرته الفنية، خصوصا بعد أن يصبح “ستار”، فالممثل اليوم هو واجهة إعلانية مرغوبة من كبرى الشركات، وشاهدنا العديد من الإعلانات التي اشتغلها كبار الممثلين في العالم ومحليا أيضا؛ فايز قزق وعبد المنعم عمايري اسمان كبيران في عالم الدراما، ولهما في ذاكرة الجمهور مكانة تحترم اشتغالهما الراقي في المسرح، وهذا ما أثار حفيظة المشتغلين بالحقل الثقافي بشكل خاص، لكنه جاء عاديا عند أي متفرج، فهو لم ير أو يشعر أن ثمة ما هو غير مألوف أو مريب فيما رآه.
المفارقة أن الدور الذي قدمه “السيد” في الإعلان الدعائي، لم يثر حفيظة أهل الفكر والفن والأدب والثقافة، بل أثار استهجان الجمهور، وهو أي الجمهور محق في ذلك، فهنا الموضوع مختلف تماما بل ويكاد يكون مقصودا، ليس من طرف فناننا الشاب، خصوصا مع وجود العديد من الأصوات في البلد الذي تمت صناعة الإعلان المشترك السوري-اللبناني فيه، تتعالى على السوريين الذين أدمتهم الحرب فذهبوا كما يحدث عادة في الملمات إلى جارهم، وحصل معهم من المآسي ما حصل، اتهموا بكونهم لصوصا، حوربوا في لقمة عيشهم، صاروا كما اليد المختبئة تحت قميص المتسول، يتم التسول على جراحهم، فما كان ينقصهم أبدا أن يُقدم يزن السيد هذه الصورة المشوهة عنهم، الجمهور يعمم، خاصة إن كان هناك من يسعى للتهويل، وما حصل أن أغلب الردود التي جاءت على الإعلان العجيب، جاءت تحريضية، بمانشيتات صفراء قميئة، لكن ما حصل يعطيها الذريعة للأسف، رجل “مشورب” يتحدث باللهجة الشامية الأقرب من غيرها عند الجمهور العربي كله، أي تماما باللهجة التي ظهرت في بعض أعمال الدراما المحلية المتابعة في العالم العربي، الرجل يعمل سائق تكسي أجرة، يدخن النرجيلة في السيارة وهو يستمع لأغنية شعبية سورية معروفة رافعا صوت الموسيقى الإيقاعية لأعلى درجة، يصعد معه زبون يطلب أن يوصله لمكان معين، وعوض أن يقوم بتوصيله، راح يتحرش به! صورة ولا أبشع عن السوريين، عدا عن كون الإعلان أيضا يعطي رسالة أننا شعب كسول لا يقوم بعمله ويفضل غرائزه على إنسانيته التي يحققها العمل للإنسان، تخيلوا هذا الإسفاف والانحطاط في فكرة الإعلان نفسه، الذي يحتمل ألف فكرة أفضل وأهم وأكثر قدرة على الولوج إلى لا وعي الجمهور بطريقة ذكية، وهذا ما يجعل من احتمال كون الإعلان نفسه ما هو إلا لتوجيه هذه الإساءة إلى السوريين الذين شاء أم أبى الفنان يزن السيد، فإنه قام بإعطاء صورة مستهجنة ومعيبة عنهم، وهكذا تصبح التهمة الجديدة عن كون السوريين “متحرشين-، كسالى لا يقدرون العمل” جاهزة ومؤكدة بصريا بالإعلان! وتجنيد بعضهم لأدوار قذرة باستغلال حاجتهم، عدا عن كل صور البؤس التي شاهدها العالم كله، عن أطفال سوريين، يقوم أقرانهم بضربهم بتحريض من الأهل وعلى مرأى الناس والكاميرات، ودون أي شعور بالخجل.
لم يكن ينقص أخوتنا الذين مرمرتهم الحرب كما مرمرتنا ويحيون في ذاك البلد أو غيره على هامش الحياة، ولم يكن ينقصنا أيضا ونحن نمرّ بأقسى الظروف التي تمرّ بها الشعوب والأوطان، أن يقوم “السيد” بما قام به، سواء كان يجهل ما فعل، أو العكس، وفي كلتا الحالتين، لا بد من أن يعتذر من الجمهور السوري الذي وحسب عمله كممثل –عله لا يدرك ذلك- يمثله عند الآخرين، وهذا ما يجب أن يضعه في اعتباره هو وكل فنان عند الإقدام على أي عمل فني بأنواعه –الإعلان فن-، خصوصا إن كان حساسا بما يُقدم كما هو الحال بما قدمه “كازنوفا” الدراما المحلية!
تمّام علي بركات