سلايد الجريدةصحيفة البعثمحليات

سُلطة الاستثناء تتفوق على ماراثونات الاجتماعات المتعجّلة

“في البداية إنه القانون.. وفي النهاية إنها الاستثناءات” رغم أن الاستثناء وُجد لمراعاة الحالات الخاصة وكنوع من تحقيق العدالة وضبط الإجراءات التنفيذية، إلا أنه بات طاغياً على كل القواعد والقوانين، وأصبحنا نعمل وفقاً للاستثناء وليس القانون في مختلف المجالات الاقتصادية والاجتماعية والقضائية والثقافية، إذ يبدو أن قوة الاستثناء أو – إن أمكن القول – قوة الشخص صاحب الاستثناء أكثر تأثيراً من الأصل الذي صدر عنه، وبذلك يبقى القرار بيد الأقوى، فبين كلمتي “يجوز”، أو “لا يجوز”، لطالما ضاعت حقوق وفُتحت أبواب الفساد على مصراعيها، وقد يظهر في بعض الأحيان أنه بدلاً من الاعتراف بخطأ قرار أو قانون ما، نرى إصراراً على صوابيته، ليتبعه لاحقاً مجموعة استثناءات تعرّي قصوره وتفضح عيوبه.

استغلال الثغرات

عند الحديث عن الاستثناءات “البوابة الأوسع للفساد” يتجه البعض لإعطائها صفة الإيجابية، فيعتبرون أنها تؤكد القاعدة ولا تنفيها، إلا أن نظرة سريعة على القوانين في سورية تكشف -وبرأي القضاة أنفسهم- عن سطوة الاستثناءات الناجمة عن استغلال المصطلحات العامة والفضفاضة في القانون، وإيجاد ثغرات قانونية تتيح إجراءات كان الحد منها هو السبب الأساس لإصدار القوانين في الدرجة الأولى!، وأصبح من المعتاد أن يترافق كل قانون مع قائمة طويلة من الاستثناءات عبر التعليمات التنفيذية التي تصدرها السلطة التنفيذية بتفويض من التشريعية، فباتت تُستغل من قبل صاحب المنصب ليمرر منها ما يريد، ما استدعى دعوة فقهاء صياغة القانون للتقليل قدر الإمكان من هذا التفويض، وهنا يؤكد عضو إدارة التشريع القاضي عمار بلال أنه طالما أعطى النص القانوني العمومية للمسؤول فلا يمكن مواجهته، والأَولى تجنب استخدام العبارات الفضفاضة التي لا توضح المقصود منها كعبارة “تقتضي المصلحة العامة..” مثلاً، إذ تحمل هذه العبارة مجالاً رحباً للتأويل.!

قرار شكليّ!

واحدة من مجالات الاستثناء عملت الحكومة على إغلاقها حين وافقت في نهاية عام 2018 على مقترح مُقدم من وزارة العدل بإلغاء كل جوازات القوانين (عبارة يجوز أو لا يجوز) التي تقع ضمن صلاحيات الوزير، وأكد وزير العدل حينها على أولوية تفادي الاستثناءات في النصوص القديمة، لئلا تتكرر في التشريعات الجديدة التي تتم دراستها من خلال لجنة مشكلة في الحكومة لدراسة القوانين والتشريعات البالغ عددها 949 تشريعاً، فهي تفتح باباً مباشراً أو غير مباشر للفساد وفقاً لتعبيره، غير أن هذا القرار “سقط سهواً” على ما يبدو عندما صدرت عدة قوانين متضمنة استثناءات بعده، وفي مقدمتها – بحسب بلال – قانون مجلس الدولة الذي حوى مادة حصرية تستثنيه دون سواه من النظر في مشاريع القوانين، وجاء النص مطلقاً دون ضوابط، فلو أنه اكتفى بالقوانين التي تدخل في اختصاصه لكان أمراً لا بأس به، أما أن يأتي النص احتكارياً لكل القوانين فهذا أمر “عجيب!”.

غير مجدية

وتماشياً مع التوجه آنذاك شكلت وزارة العدل في بداية 2019 لجنة لدراسة الاستثناءات الواردة من الوزارات بشأن التشريعات الناظمة لعملها أو المعنية في تطبيقها وتقديم تقرير بشأنها، ويوضح بلال – وهو عضو في اللجنة – أنها التقت مع كافة ممثلي الوزارات، وتمت مراجعة ما خلصوا إليه من استثناءات في القوانين الناظمة لمؤسساتهم، واعتبرت اللجنة أنه لابد من تعديل بعض مواد القوانين حتى تستقيم فكرة عدم وجود استثناءات فيها، ووضعت ملاحظات عدة لذلك على أن تلتزم بها الجهات المذكورة، مشيراً إلى أن بعض الجهات القانونية أظهرت تصلباً في الرأي وإصراراً على صلاحياتها الواسعة.

وباختصار يصف بلال أعمال اللجنة بالمضنية والمتعبة، ولكنها في الواقع غير مجدية، لأن هذا العمل ليس بروتوكولياً ولا يقتصر على ماراثونات الاجتماعات واللقاءات، بل يتطلب دراسات من أشخاص متفرغين وإعطاءه جهداً وجدية أكبر، والدليل على ذلك أنه حتى اليوم ورغم أن اللجنة أنهت أعمالها في تشرين الأول من العام الماضي لم يصل رد من الوزارات، ولم يتم تعديل أي قانون أو الأخذ بالملاحظات التي وضعت، علماً أن متابعة التنفيذ هو من اختصاص وزارة العدل ولكن بمتابعة وإشراف مجلس الوزراء في الدرجة الأولى.

ضوابط

هو خيط رفيع جداً ما يفصل بين الاستثناء وصلاحيات الإدارة، فأغلب الاستثناءات التي نراها تندرج تحت مسمى الصلاحيات، والسبب في ذلك غياب الضوابط المحددة لمفهوم الاستثناء وتمييزه عن غيره، إذ يعتبر بلال أن وضع ضوابط عامة لأي قانون يعد ضرورياً كونه يسمح بشروط تنطبق على الجميع وليس شخصاً بعينه، بحيث لا يملك صاحب القرار انتقائية خاصة به، لافتاً إلى النقاش المطول الذي استحوذت عليه دراسة الصلاحيات المرتبطة بالقضاء خلال اجتماعات اللجنة المذكورة كإثبات فعل ما، فمن البديهيات القانونية أن الثبوت لا يتم إلا قضائياً، وبالتالي لا يملك أي صاحب منصب التثبت من هكذا حالات ولا يجوز له اتخاذ قرار لا بالحرمان ولا بالسماح مجدداً دون العودة للقضاء.

استعجال

وبحكم وجوب مرور كافة مشاريع القوانين على إدارة التشريع، يلفت بلال إلى محاولة الإدارة قدر الإمكان ضبط هذا الموضوع، ولكن في نفس الوقت تصل مشاريع القوانين من الوزارات بسرعة كبيرة، ويُطلب دراستها خلال وقت قصير أيضاً، فأصبحت ثقافة الاستعجال بالقوانين “مرعبة” وفي هذا الأمر ضغط كبير على الإدارة، مؤكداً على مراعاة الحالات الخاصة التي يكون فيها الاستثناء ضرورة، كاستثناءات وزارة النفط في تعاملها مع شركات أجنبية.

ريم ربيع