كنائس الشرق الأوسط تحذر من نوايا أردوغان بتحويل آيا صوفيا إلى مسجد
خلص استطلاع أجراه مركز أبحاث الرأي (متروبول) إلى أن 44 في المئة ممن شملهم الاستطلاع يعتقدون أن “آيا صوفيا” وضع على جدول الأعمال لصرف انتباه الناخبين عن المشاكل الاقتصادية في تركيا، فيما أكد مجلس كنائس الشرق الأوسط، الذي يمثل 350 كنيسة، أن قرار رئيس النظام التركي رجب طيب أردوغان تحويل الكنيسة إلى مسجد هو اعتداء على الحرية الدينية، التي كرّستها المواثيق والأعراف والقوانين الدولية، داعياً المنظمات الدولية بما فيها الأمم المتحدة إلى موقف حاسم من هذا القرار وإعادة الاعتبار للرمزية التاريخية التي تمثلها كنيسة “آيا صوفيا”.
وأوضح المجلس، في بيان صادر عن الأمانة العامة أمس السبت، أن خطورة هذا القرار أنه يأتي خارج سياق مسار العيش معاً “المسيحي الإسلامي”، ويخالف وثيقة الأخوة الإنسانية من أجل السلام العالمي والعيش المشترك الموقعة عام 2019 وكل المبادرات المسكونية وحوار الأديان في العقود الثلاثة الأخيرة، وأضاف: إن القرار التركي يعد تجاوزاً لمسيرة نقية من التلاقي على الخير العام والسلام في مواجهة العصبيات والتطرف.. وإن العالم أجمع معني بوقفة ضمير وموقف حاسم من هذا القرار، داعياً القوى المجتمعية والدينية الحية في تركيا إلى التحرك على كل المستويات لوضع حد لهذا الاعتداء والتجاوز بما يحافظ على حقيقة العيش معاً بعمقها.
وفي السياق نفسه، اعتبر إبراهيم نجم، مستشار مفتي مصر، أن قرار أردوغان يمثّل “لعبة سياسية خطيرة”، وقال: إن تحويل آيا صوفيا إلى مسجد إجراء يجب النظر فيه في سياق الهدف السياسي الذي حدده أردوغان، وأوضح أن توقيت وملابسات هذا الحدث تشير إلى أن هذا القرار يحمل فقط طابعاً سياسياً، ويمكن اعتباره محاولة من قبل رئيس النظام التركي لعرض نفسه بطلاً يزعم أنه يحمي المقدسات الإسلامية ويحيي عظمتها، وأشار إلى أن الكثيرين يتحدثون الآن حول الجوانب التاريخية والقانونية للخطوة التي اتخذها أردوغان، لكن كل ذلك يمثل جدالا تاريخيا غير مجد لأنه يصرف الاهتمام عن “السياق الحقيقي لهذه اللعبة السياسية الخطيرة”.
إلى ذلك، يجمع أعضاء في البرلمان الأوروبي التواقيع لتوجيه رسالة إلى المفوض الأعلى للسياسة الخارجية والأمن في الاتحاد الأوروبي، وللمدير العام لليونسكو، لإنقاذ معلم آيا صوفيا كموقع للتراث العالمي.
وتجري عملية جمع التوقيعات في البرلمان الأوروبي، بمبادرة من حزب ” الديمقراطية الجديدة” اليوناني الحاكم.
وجاء في الرسالة: إن “الحكومة التركية تستغل آيا صوفيا، من أجل ممارسة الضغط على الاتحاد الأوروبي، وبهدف تعكير العلاقات بين الأديان، وهي تثبت بهذه الممارسة، أنها تنتهك بشكل صارخ القانون الدولي والمبادئ والقيم الأوروبية”.
وتضمنت الرسالة مقتطفاً من بيان اليونسكو، الذي أكد أنه يجب على الدول أن تضمن عدم فرض أي تغيير على القيمة العالمية لموقع التراث العالمي الموجود على أراضيها.
وكانت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة “يونسكو” أعربت الجمعة عن أسفها لقرار النظام التركي بشأن تحويل معلم “آيا صوفيا” التاريخي إلى مسجد، مشيرة إلى أن هذا المتحف هو ضمن معالم التراث العالمي ورمز قوى للحوار وأي تغيير لوضعه سيؤدي إلى التأثير على عالميته.
وتعد كاتدرائية “آيا صوفيا”، التي تعني “الحكمة الإلهية” في اللغة اليونانية، تحفة معمارية شيدها البيزنطيون عند مدخل مضيق البوسفور في القرن السادس الميلادي، وكانوا يتوجون أباطرتهم فيها، وبعد استيلاء العثمانيين على القسطنطينية في 1453 حول هؤلاء الكاتدرائية إلى مسجد، وبقيت كذلك حتى عام 1935 حين أصبحت متحفاً بقرار من السلطات التركية آنذاك.
إلى ذلك، خلص استطلاع أجراه مركز أبحاث الرأي التركي (متروبول) إلى أن 44 في المئة ممن شملهم، يعتقدون أن “آيا صوفيا” وضع على جدول الأعمال لصرف انتباه الناخبين عن المشاكل الاقتصادية في تركيا.
وبالفعل يُتيح تحويل آيا صوفيا إلى مسجد، حشد القاعدة الإسلاموية-القومية لأردوغان، وسط مواجهته أزمة اقتصادية، ولكن في ظل المخاطرة بتأجيج التوتر مع الغرب، وفق ما يرى محللون.
واعتبر الباحث في المعهد الفرنسي للدراسات الأناضولية جان ماركو أنّ “العديد من مناصري نظام أردوغان يرون قرار تحويلها متحفاً على أنّه نزع ملكية”، وأضاف: “بالتالي، في خطوة ذات أبعاد، سواء دينية أو قومية، فإنّ أردوغان يتطلع إلى إعادة التأكيد على قوته”، فيما اعتبر مدير “صندوق مارشال الألماني” في أنقرة اوزغور أونلوهيسارجكلي أنّ تحويل آيا صوفيا إلى مسجد يتيح أمام أردوغان حصد نقاط لدى رأي عام “يؤيد بغالبيته هكذا قرار، مدفوعاً بمشاعر دينية أو قومية”، وأشار إلى أنّ الناخبين التقليديين للأحزاب العلمانية، خاصة حزب الشعب الجمهوري الكمالي، وبرغم قلة اهتمامهم بالإرث العثماني، لكنّهم “متعلقون جداً بالسيادة وقد يساندون هذا القرار فقط لأنّ دولاً خارجية تدعو تركيا إلى عدم اتخاذه”.
واعتبر المحلل في المكتب الاستشاري فرسيك مبلكروفت، انتوني سكينر، أنّ “آيا صوفيا قد تكون الرمز الأبرز للماضي العثماني وأردوغان يستخدمه لحشد قاعدته وازدراء خصومه في الداخل والخارج”، وأضاف: “تحويل آيا صوفيا إلى مسجد يندرج في سياق السياسة الخارجية المتشددة، والتي تتجلى بعرض القوة في شرقي المتوسط وليبيا”.