“ألم” رواية توثق مآسي الحياة ومتاعبها …
العنوان هو أول ما تقع عليه عين القارئ، وبحسب تعبير جيرار جينيت هو العتبة الأولى ولها وظائف عدة، أولها تمييز الكتاب عن غيره من الكتب والإيحاء بمضمونه وإغراء القارئ والمتابع للعمل وسيرة ومسيرة الأحداث التي يسردها ويغطيها بحبر قلبه إن صح التعبير.
بعد عشر سنوات من الحرب الإرهابية التي تمر بها البلاد، وما آلت إليها الأمور وتركت في دواخلنا من وجع وهمٍّ وفرح معلباً وحزناً شفيفاً فاق حد الوصف. دخلنا في نفق مظلم آخر ألا وهو وباء العصر كما سموه (جائحة كورونا) التي حصدت إلى حد اللحظة الآلاف من الناس عبر امتداد الحدود والعواصم والقارات.. وأيضاً أصبحت مادة دسمة لكثير من الشعراء والكتاب والأدباء في نقل تفاصيل وقصص هذا الوباء إلى عالم الإبداع واللغة، توثيقاً وتصنيفاً أسوة ببقية الأمراض التي اجتاحت البشرية في حقب سابقة كالطاعون والسل والسارس والإيدز، وغيرها من الأمراض التي استطاع الإنسان أن يجد لها علاجاً وأخرى تركها للقدر كنوع من العقوبة السماوية التي نزلت بالبشر جراء ما اقترفت أيديهم بحق الإنسان والطبيعة والقيم الأخلاقية النبيلة.
وعود على بدء وموضوع العنوان كمدخل إلى المتن، أتوقف مع رواية للشاعر أنور فؤاد الجندي من القطع المتوسط والصادرة عن دار بعل للعام 2020 بأكثر من 200 صفحة تحت عنوان (ألم) يسرد من خلالها الشاعر الجندي رحلة شقيقه خالد مع مرض السرطان بطريقة درامية وظّف من خلالها كل عوامل وعوالم السرد المشبع بالحب والحنان القاسي في عائلة تناهب الحزن كل جهات العمر وقتئذ.
يقول أنور في مقدمة الرواية: (الحياة مسؤولية، ولا يمكن للمرء الذي فيه شيء من الضمير، والقليل من الوجدان أن يتجرد من أصوله ويترك أهله ووطنه..) لتبدأ رحلة الكتابة والذاكرة لسرد رحلة العلاج وفراغها المخيف، في الرواية أنور هو المريض وأخوه هو الكاتب وفي الرواية أنور هو الألم وأخوه كان الدواء.. وفي الرواية أنور هو الفرح الذي يختفي خلف ستارة لا يراه إلا من يبصرونه أملاً كبيراً يقود إلى نهايات الحياة الحقيقية تجاه ما ألمت بهذه العائلة من فجيعة ما كانت بالحسبان.
أجمل ما في اللغة أنها كانت بعيدة عن شاعرية كاتبها الشاعر.. وهذه علامة تحسب للكاتب الذي استطاع أن ينجو من فخ اللغة الشعرية، والتي طالما وقع بها كل من كتب السرد وجاء من كثافة الشعر ورمزيته المكثفة، لا بل اكتفى الكاتب من استحضار بعض القصائد كشاهد على استحضار الحكمة من الشعر لا أكثر، مكتفياً بخاتمة شعرية كانت قصيدة لم يحفظها.
العمل ذاتي يحمل في طياته بعداً إنسانياً يلامس أوجاع الكثير من الناس بحرفية شاعر استطاع أن ينقل صمت الفرح في لب القصيدة إلى مسرح السرد بكل حيوية وسلاسة.
أنور فؤاد الجندي شاعر كتب اسمه بفرح حزنه الشفيف في قلوبنا، واليوم نقرأه راوياً تجاوز حدود العائلة الصغيرة ليصل بنا حد الغيم وتحت الوجع بقبلة.
علي الدندح