المرأة في انتخابات مجلس الشعب
سلوى عباس
تساؤلات كثيرة تزامن طرحها مع نتائج انتخابات مجلس الشعب للدور التشريعي الثالث حول السبب في انخفاض نسبة ترشيح المرأة وفوزها في هذا الدور قياساً بالأدوار التشريعية السابقة، وحتى في كافة المؤسسات الحزبية والنقابية، وفي السلطات القضائية والتنفيذية، مازالت نسبة النساء أقل، والسؤال الأهم الذي يطرح نفسه هو ما إذا كان الإلزام الديمقراطي لانتخاب المرأة الذي وصفه البعض أنه انتخاب “بالعافية” في قيادة المؤسسات الحزبية، وفي الاستئناس الحزبي الذي سبق انتخابات مجلس الشعب، نابع من أن مجتمعنا ذكوري أصم تجاه المرأة حتى كان هذا الشرط الإلزامي في الانتخاب والاستئناس، وأن الزمن الذي توهب فيه المرأة دوراً طال أمده، وأنه يجب أن يأتي الزمن الذي تنتزع المرأة فيه دورها المنشود والذي ترغبه انتزاعاً؟
في جلسة جمعتنا لمناقشة هذه التساؤلات، تفاوتت الآراء رغم الإجماع على الوضع الذي تعانيه المرأة، فهي رغم كل المواقع التي تبوأتها مازالت تواجه صعوبات وتحديات تجعل الرجل يعيش هامشاً من الحرية في الحياة لا تستطيع المرأة أن تعيشه رغم إثباتها لوجودها في مجالات حياتية كثيرة، وهناك من رأى أن المرأة السورية تمثل حالة تراجيدية بسيطة عكست الواقع الاجتماعي والإنساني لما عاشته، وتحديداً في سنوات الحرب، حيث كانت المرأة من أهم الأيقونات المستهدفة في هذه الحرب المجنونة التي استهدفت الهوية السورية؛ لكن المرأة السورية التي وجدت نفسها في سياق تاريخي واجتماعي صعب، تواجه حروباً دموية وأخلاقية ووجودية، لم تفقد ما منحتها إياه الطبيعة من مشاعر الحب والتضحية والإرادة، التي تواجه الكثير من المتاعب والأطماع، وتعيش صراعاً بسبب ظروف الحرب التي حولتها إلى أيقونة للصبر والعطاء: إنسانة تحمل في روحها عبق الحياة يلجأ إليها أبناؤها ليستمدوا منها القوة ويتجاوزوا ما يرهقهم، وهي المتعبة بأثقال الحياة؛ فالمرأة السورية سواء كانت أماً أو زوجة أو أختاً أو ابنة، هي الإنسانة الوحيدة التي تشبه روحها وذاتها كثيراً فتجسد بتضحياتها أمثولة للعطاء الذي تنسجه راية من إرادة وصمود تحلّق في سماءات لا نعرفها. تلك المرأة أمسكت بأبناء قلبها وقرأتهم ككتاب، فهدأت أرواحهم بين يديها وأسكنت فيهم السلام، واختصرت أبجديات اللغات، وكانت الأمينة على الرسالة التي وهبتها إياها الحياة، فسبحان من أعطاها هذا السر، وأولاها شأن أن ترسل من صبرها غمامة من بهاء الحياة، تغسل الكون بمائها المعسول بالصبر والأحلام وصيرورة الحياة، وكانت مدرسة من تضحية وكبرياء في إعداد أبطال شكلوا طوقاً من ياسمين زيّن جيد الوطن، وكانت تضحياتهم عبقاً يحمل نسائم العزة والفخار، ومن استشهدوا منهم رسموا باستشهادهم عزة أمتهم ووطنهم وكل من ينتمي إليهم ويسير على دربهم، وفي ظل التداعيات الاجتماعية والاقتصادية والأخلاقية التي أفرزتها الحرب كم نحن بحاجة لتلك القيم التي ربتنا عليها أمهاتنا، تلك القيم التي تنظم حياتنا وتعيد إلينا سكينتنا وسلامنا مع انفسنا ومع الحياة.
وفي عودة إلى دور المرأة في الانتخابات البرلمانية نلحظ غيابها لأسباب عديدة قد يكون أهمها ما أفرزته الحرب من ذكورية المجتمع، فكانت المرأة رهينة الرؤية الضيقة لها، وكانت النتائج لصالح المرشح الرجل أكثر، ولو أنه رشحت للانتخابات الكثير من أمهات الشهداء ومن ذويهم لم يحالفهن الحظ بالفوز بمقعد في البرلمان، رغم أنه إن كان هناك من إنصاف للحقيقة وللفواجع التي تحملتها أمهات الشهداء في هذه الحرب يفترض أن تكون هي الفائزة الأولى وضيفة الشرف المكرمة في هذا الدور التشريعي وفي الدورات اللاحقة، لأنها الأيقونة التي تمنح البهاء لكل شيء في الحياة.