ثقافةصحيفة البعث

الكتابة مشروع موت أم حياة

ما الذي يجعلني أبحث عن الكتابة؟ هل هي انتقام من الموت أم أنها تعيد توازني؟ لماذا كانت الكتابة دوما محرابي الذي أتوجه إليه؟ ولماذا هذا اللجوء إلى المداد الذي يصنع عوالم قد تكون غريبة علي لكنها جزء من شراستي وتوثبي وقلقي الذي لا أعرف مصدره؟ وكيف أكتب؟ ولماذا يهيمن علي الشك واللايقين بحثا عن المجهول الذي تقودني إليه الكتابة؟

الكتابة من زمن الشك

أكتب كثيرا وضمير المتكلم حاضر باستمرار، وهذا الضمير يتنوع بين ضمير متكلم أنثوي وضمير مذكر،  ولكن لا يقين في كتابتي، لذا فإن الكتابة بالنسبة لدي كانت مرفأ للعديد من الأشياء التي لا أستوعبها في حياتي اليومية. ولكن من أين يأتي الحدث؟ هل هو من لحم ودم؟ أم هو نتاج تواصل مستمر مع عوالم قرأتها سابقا، أم عوالم واقعية اختبرتها بنفسي.

أكاد أقول إن الكتابة بالنسبة لي هي هذا التمازج الكلي للنصوص والحياة وهي هذا الأثر الغريب الذي تتركه كل الأشياء التي تعبر، سواء من تلف للذات حين يصيبها التعب، فأنحت شخوصا وأرسم أحداثا أخرى لا علاقة لها بي وكأنني أعيش معها بحثها عن شيء ما، من الأكيد أن كلانا لا يعرفه.  لذا أقول إن هذه الشخصيات الغريبة هي نتاج تفاعل ثقافي قد أعيشه دون أن أدري، إنها هجين وامتصاص للذات وهي تتطور سواء على المستوى النفسي أو الإنساني. لذا في بعض الأحيان لا أدرك سطوة بعض الصور التي قد تأتي في الليل، لأراها وهي تتحول إلى حفنة من الجمل التي أكتبها والتي حين أعيدها أفاجأ بكتابتها، لكنني أدرك بأن هذا الشيء الغريب، الذي يتخلق والذي يصير سؤالا وشكا في كل اليقينيات هو الأدب.

مطبخ الكتابة

أما المطبخ الداخلي للكتابة فأكاد أجزم بأن هذا المطبخ متعدد، فالقصة قد تأخذ أشكالا متعددة، أحيانا أبدأ النص من الجملة الأولى اللاهثة ثم يبدأ النص في البناء وقد يبنى عبر مراحل، وفي أحيان أخرى تأتي القصة القصيرة دفعة واحدة وكأنني سأعذب إذا لم أقم بكتابتها، فأنسحب من النص وكأنني أنهيت التواصل مع شخص أحببته في فترة معينة، وانفصلنا لكنني أتذكره مرة كل حين.

لذا ليس هناك وصفات جاهزة للكتابة، فهناك من يعتبرها صنعة محضة، خالية من التعبير عن الذات وهناك من يعتبرها حميمية أكثر تعبر عن الذات، غير أنني أتصور أن الأمر لا يخلو من التعقيد، فأنا أرى أن الحرف يتحول إلى أن يكون حميميا أكثر، لأنه في حاجة إلى سماع داخلي للذات، فالأدب ينبغي أن يسمع وشوشات الذات، وتحولاتها الداخلية وارتباكها ضمن زمن  يعج بالفردية الغريبة التي أصبحت مهيمنة على حياتنا اليومية أو في علاقتنا ببعضنا البعض، غير أن هناك نصوصا تعج بالتقاليد وهي ما يأسر الفرد في علاقته بالآخر، وهذا يبدو واضحا عندما ابدأ بالكتابة عن الأنثى،  لذا يبدأ الإبداع حيث نشك في التقاليد الموروثة، لأننا ينبغي أن نشك في كل شيء. لذلك الكتابة نافذتي المشرعة للحب والموت والحياة، المطلة دائما على الحديقة الخلفية لروحي.

لينا أحمد نبيعة