احذروا من الإشاعة.. أكاذيب تثير الفوضى والمخاوف وطعن مشبوه بحقائق الواقع!
في أحد الأيام، صادف الفيلسوف اليوناني سقراط أحد معارفه مهرولاً نحوه قائلاً بتلهف: “سقراط، هل تعلم ماذا سمعت عن أحد طلابك؟ أجابه سقراط: “هل أنت متأكد أن ما ستخبرني به صحيح”؟ “لا” – رد الرجل – “.. في الواقع سمعت الخبر”! قال سقراط: “هل ما ستخبرني به عن طالبي شيء طيب؟”. “لا، على العكس”، رد الرجل، فتابع سقراط: “هل ما ستخبرني به عن طالبي يفيدني؟”. “في الواقع.. لا”، رد الرجل، فختم الفيلسوف الحديث بقوله: “إذا كنت ستخبرني بشيء ليس صحيحاً، ولا طيباً، ولا فائدة منه، فلماذا تخبرني به من البداية؟”.
للانتقام
المقصود بقصة الفيلسوف أن الأخبار والأحاديث التي تصلنا لا يمكن أن تكون صحيحة مئة بالمئة، ورغم معرفتنا المسبقة بذلك، في كثير من الأحيان، تؤثر علينا وتشوشنا طيلة النهار، ويقف وراء الإشاعات أناس غايتهم إثارة البلبلة والقلق إما لسبب نفسي يعود للشخص ذاته، أو لأسباب وأهداف معينة مرتبطة بنوع الإشاعة، والمجتمع المراد بثها فيه.
تستذكر سمر (خرّيجة أدب انكليزي) أنها كانت على خلاف مع إحدى زميلاتها في الغرفة أثناء دراستها وسكنها في المدينة الجامعية، فقامت الأخيرة عبر أحد أصدقائها باتصال هاتفي معها، وإخبارها بموت والدتها، تقول سمر: “أذكر أنني عشت ليلة لا أحسد عليها، فالاتصال جاءني بوقت متأخر ولم أتمكن من التأكد من مصداقية الخبر حتى الصباح، لأعلم عندها أنه كذب، وأن زميلتي هي من قامت بذلك، عندها تشاجرنا، واضطر الأصدقاء للتدخل لفك الخلاف”، أما أمجد (خرّيج هندسة كهرباء) فيقول: “للأسف كنت أغار من زميلي كثيراً لتفوقه عليّ أثناء الدراسة الجامعية، وقمت في السنة الرابعة بإثارة إشاعة أندم عليها حتى اليوم، إذ أخبرته قبل ذهابنا للامتحان أن والده قد نقل إلى المستشفى ليرسب بالمادة التي كانت من أصعب المواد، ومادة أخرى دفعها ثمن سفره إلى القرية.. حتى اليوم أندم على ذلك، أولاً لأني خسرته كصديق، وثانياً لتأخره عنا عاماً دراسياً بسببي”.
دور التكنولوجيا
يعرّف الباحثون الإشاعة بأنها “خبر أو مجموعة أخبار زائفة تنتشر في المجتمع بشكل سريع، وعادة ما تفتقر لذكر مصدر موثوق، ويغلب عليها طابع الإثارة والتشويق، وقد تكون ذات طابع سياسي أو اجتماعي أو اقتصادي أو عسكري”. واليوم، في عصر السرعة والأنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، نتعرّض يومياً لكم هائل من المعلومات والأخبار التي لا نتفقد صحة مصدرها، ولا نكلّف أنفسنا عناء ذلك، فالزخم الهائل – حسب الدراسات – الذي عرفته التكنولوجيات المعلوماتية عموماً، والانتشار المتزايد لتكنولوجيا الاتصال والمعلومات في الآونة الأخيرة بشكل خاص، أديا إلى ظهور ثورة رقمية طالت جوانب متعددة، ومنها وسائل الإعلام، حيث أدت رقمنة الإعلام إلى بروز ظاهرة “الإشاعة الالكترونية”، ومن أبرز نتائج الإشاعات تحولها إلى ظاهرة، وازديادها مع زيادة استخدام مواقع التواصل الاجتماعي (واتساب، تويتر، فيسبوك، يوتيوب)، لاسيما في المجتمعات التي تقل فيها الشفافية والمعلومات الموثقة، وأكثر أنواع الإشاعات انتشاراً هي الاقتصادية أولاً، ثم السياسية ثانياً، والدينية ثالثاً.
دور سلبي
تسبب الإشاعات حالة اضطراب مجتمعية وأسرية، وتؤدي أحياناً لحالات طلاق كثيرة، كما يحدث في عالم المشاهير والفنانين، وأحياناً تتسبب بنزاعات بين الفنانين في الوسط الفني، أو السياسيين، وحتى بالحياة العادية، وإذا ما تحدثنا عن مجتمعنا فالأمثلة كثيرة عن خوف الشارع لقاء إثارة إشاعة حول رفع سعر مادة معينة، فنرى خوف الناس واتجاههم لشرائها مهما ارتفع سعرها، بالمقابل يواجه المواطن احتكار السلعة من قبل التجار وبيعها والربح من ورائها، تقول أم محمد: في ظل كورونا سمعنا كثيراً عن حظر كامل بعد انتهاء امتحانات البكالوريا، فتوجهت لشراء كميات كبيرة من المعلبات والمواد التي يمكن تخزينها، ودفعت مقابل ذلك مالاً ليس قليلاً، وفي النهاية لم يحصل أي شيء، وكانت مجرد كذبة، أما أبو منهل فقد قال: عندما قالوا إن الحظر الكامل قادم لا محالة نتيجة كورونا، واصلت العمل ليل نهار، وخزنّا الكثير من المواد إلى جانب الخبز خوفاً من الحاجة، والحمد لله لم يحدث شيء، ولكن حتى الآن لا أعرف من أخبرنا بالحظر، مجرد قيل عن قال، لكنها كانت ذات رد فعل سلبي عليّ وعلى أسرة بيتي، أم آدم قالت: قلقت كثيراً عندما أشاعوا أن الدواء سينقطع من الأسواق، حتى إنني عندما كنت أطلب خوافض حرارة ودواء للالتهاب، يخبرني الصيدلي بأنها مقطوعة، فكنت أخاف أكثر وأكثر وأتصور أبشع السيناريوهات، وتضيف: “الكذب والإشاعات مدمرة للصحة وللحياة”.
أهل الاختصاص
يقول اختصاصيون: هناك خمسة أسباب تدفع الأفراد لإعادة نشر محتوى الإشاعة، وهي الشعور بالذعر والقلق، ما يدفع المتلقي لإعادة نشر الإشاعة، والانخراط الشخصي، في حال ترويج الإشاعة على أنها تجربة شخصية أو شهادة عيان، وغموض المحتوى، ونسبته إلى مصادر رسمية مهمة، حيث يميل الناس لتصديق ما ينسب للشخصيات والجهات المسؤولة أكثر من اهتمامهم بالتفكير في المحتوى نفسه، بالإضافة إلى الجاذبية من خلال تزويد الإشاعة بصور أو فيديو إلى جانب النصوص، وحذروا من أن مواقع التواصل الاجتماعي باتت “مكبرات للإشاعات”، وتسهم بشكل كبير في تعظيم نطاق تلك الأكاذيب، حيث يساهم مستخدمو وسائل التواصل الاجتماعي، عبر إعادة تداول الإشاعة على أكثر من منصة، بجانب بعض مشاهير التواصل الاجتماعي الذين يعيدون تدوير الإشاعات، لأسباب عدة يرجع بعضها للافتقاد لمهارات التدقيق، أو الرغبة في الذيوع، بالإضافة إلى مواقع الأخبار الالكترونية غير المرخصة، أو التي تصدر من خارج الدولة، والتي تسهم في التضليل لتحصد مزيداً من الزيارات لمواقعها.
في علم الاجتماع
وبحسب علم الاجتماع، نملك جميعاً نزعة نقل الأخبار السلبية أكثر من الإيجابية، وفي هذا الصدد، تقول هيلين هارتون، أستاذة علم النفس في جامعة أيوا الشمالية: “لدينا ميل إلى إعطاء وزن للمعلومات السلبية أكثر من الإيجابية، ولهذا مغزى تاريخي من ناحية تطورية، فمنطقياً كان علينا أن نعرف كيف نتجنب نمراً في الغابة أكثر من أن نعرف أين يوجد حقل من الزهور الجميلة، طبعاً، معظمنا لا يخاف الآن من النمور، لكننا نجزع، مثلاً، من التسريح من العمل، لذلك نرمي الإشاعات شمالاً ويميناً لمعرفة ماذا يجري”، وفي دراسة أجراها عالم النفس الاسترالي ستيفان لاندوفسكي عن سبب تفشي المعلومات الكاذبة وانتشارها في غضون ثوان حول العالم، استنتج أن دماغنا يستهلك طاقة أقل للتصديق عندما يكون البيان كاذباً، “إما نحن كسولون، أو أن أدمغتنا كسولة أو بكليهما، فإيجاد الحقيقة يتطلب وقتاً وجهداً، ونحن لا نملك أياً منها”.
لذلك يبقى أخذ المعلومة من المصدر أو من الحكومة، خاصة في زمن الأوبئة والحروب، الحل المثالي لمواجهة الإشاعات، لأن المجتمع في تلك الحالات يكون هشاً وسهل التصديق، فنجاح الإشاعة يحتاج لبيئة خصبة، أي هشة وضعيفة، لذلك يجب أن يكون مصدر المعلومة الدولة، وأصحاب الرأي الموثوقين .
نجوى عيدة