“على صوت نبضه.. نثر ورواية” في ندوة
نثريات تحمل من الحب ما يكفي لأن يكون زوادة عمر، ورشاقة تشعر بالمرح، وصور تحرك الخيال في “على صوت نبضه.. نثر ورواية” للكاتبة رنا العسلي، وقد أقام فرع دمشق لاتحاد الكتّاب العرب ندوة أدبية نقدية بعنوان: “على صوت نبضه.. رواية وشعراً”، أدارها الكاتب خليفة العموري.
طاقة خلّاقة
الغلاف مشغول بلوحة فنية تمثّل وجهاً أنثوياً وقع الوجه كله تحت الظل، وبدوره تحدث د. أحمد علي محمد فقال: درجات الظل البادية عليه متباينة بين الوضوح النسبي والغموض، ونلاحظ أن الظل الغامض هو الغالب، إذ اكتسح معظم مساحة اللوحة.
رنا العسلي صوت أنثوي لامرأة حرة في إطلاق هواجس الأنثى، وبوساطة ذلك حفرت ظلها، وكشفت عن تميز ذاتي عال مترع بالمتشابهات، وأنا أطمئنها وأنا على هذا المنبر في يومي هذا إن استمرت على نهج التميز، ستنتج صوتاً أدبياً مميزاً في قابل أيامها، ولكن شريطة أن تتعمق في القراءة والاطلاع، ولا تمل في ذلك، وأن تمهر في اللغة، وتقيس من تقنيات المؤلفين الكبار ما تستطيع، رنا طاقة خلّاقة لا تحتاج إلا إلى التعمق بتجربتها في الكتابة الإبداعية.
في البنية الفنية
رنا العسلي في نثرياتها حالات حب تبدأ من الإعجاب ولا تنتهي بالوجد، لكنها تبقى تندرج تحت مسمّى الحلم، وبدوره قال د. عبد الله الشاهر: نثريات تستحق القراءة والدرس، فيها من الحب ما يكفي لأن يكون زوادة عمر، ومن اللغة ما يثري، ومن الرشاقة ما يجعلك تشعر بالمرح، ومن الصور ما يحرك خيالك، كل هذا لم يكن لولا صدق الإحساس وتوق الموهبة، في نثرياتها لغة تشي بالاقتراب من هذا دون الإمساك، تشي بالتلاحم دون التماهي، ربما في تحليقها تسعى إلى حالة التماهي التي لم تصل إليها بعد، لذا نراها تحوم كفراشة في بستان حلمها دون أن تحط على أي من أزهاره، لماذا، لا أدري، أهو قلق اللقاء، أم هي اللايقينية، أم أنها تخشى المواجهة فتلوذ بالحلم.
التزمت الكاتبة الجمل القصيرة، حيث تطرح فكرتها ولا تأخذها مدى العبارات، إذ إنها توجز ولا تنشر، وتتجاوز ولا تتدرج، وقد يحكم نصها نزق العبارة وسرعة الجواب، فلا تحتاج إلى شرح، إذ تطرح الفكرة وتعطي الجواب، وهي بإضاءاتها لا تحتاج إلى مزيد من المفردات، جملتها قصيرة راقصة تؤدي الفكرة بمفرداتها التي ربما صاغتها في لاوعيها.
متعة وخيال
عرضت د. أسمهان حلواني أفكاراً عبارة عن رؤية ونظرة جمالية لهذا العمل الجميل، حيث قالت: لم ترهق الكاتبة ذهن القارئ بالغموض، فكانت سرديتها سلسة سهلة، لاسيما أن الصدفة كانت بطلة معظم الأحداث، قد يرى البعض في هذا عيباً، لكن أظن أن الكاتبة أرادت أن تشي بشيء من فكرها الخاص وهو إيمانها بالقدرية والترتيب الإلهي، حتى وإن بدت المصادفة رفيقة معظم الأحداث، لكن هذا قد يحدث أحياناً.
لم تخل الرواية من المتعة والخيال، وهذا يتبع أيضاً خطاً درامياً، ولا أجد هذا غريباً، فالكاتبة متمرّسة في عملها من ناحية أخرى بالدوبلاج، ما جعل لغتها تتأثر بالدراما المشهدية والتصويرية.
إن هذه الرواية هي إحدى الروايات الكلاسيكية المعاصرة الجيدة، ملتزمة بالقضية الشعورية، بعيدة عن التشظّي، وإن كنت أرى فيها إدهاشاً مثيراً للبنية الخاصة بالرواية، وهي من الأدب الملتزم، يحمل فكر الكاتبة، والكثير من العبر بين طيات السطور مذيّلاً بالحكمة.
الحلم
الرواية سفر مع حلم، كان للحظة واقعاً لأفراد عاشوا جزءاً منه بطريقة ما، وبدورها قالت الكاتبة فاطمة أبو شقرة: هي رواية درامية منذ اللحظة الأولى التي ربطت فيها الكاتبة أول خيط من خيوطها بقلمها، واجتماعية جابت الدروب والأزقة لتنقل لنا صوراً من الحياة بكافة أطيافها، من نقطة النهاية أبدأ، حيث أعلنت رنا العسلي أنها امتطت أجنحة الحلم، كأنها لا ترغب في ترك مجال لانفتاح على نهايات، أو تصورات أخرى، لدى رنا العسلي من مرونة اللغة وسلاستها ما يكفي لإيصال المطلوب من مشاعر وأحاسيس نبضت بها الشخصيات في العديد من مفاصل وتقاطعات هذا العمل، ويُحسب للكاتبة أنها تمكنت من الغوص في الأبعاد الواقعية والزمانية والمكانية والنفسية، فعرّجت على أحداث معاشة لابد من الوقوف أمامها بتقدير.
جُمان بركات