لبنان والتدويل.. لن يمروا!
سنان حسن
لم تنطفئ بعد النيران في مرفأ بيروت، حتى باشرت القوى والأحزاب المرتهنة لأمريكا وأذنابها في المنطقة حملة الإدعاءات والفبركات في محاولة لتحميل القوى الوطنية، وفي مقدمتها المقاومة، أسباب الانفجار، ولعل في الدعوات التي أطلقتها تباعاً أطراف ما يسمى بالرابع عشر من آذار خلال زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لجهة فتح تحقيق دولي بالحادث دليلا واضحا على ذلك، ما يطرح أسئلة كثيرة وشائكة تبدأ من المسؤولية عما جرى وكيف تم تخزين المواد المتفجرة ولا تنهي إلا بالمحاولات المجنونة لتفجير لبنان وإشعال حرب أهلية فيه خدمة لأجندات غربية وصهيونية.
منذ خمسة عشر عاماً، وبالتحديد في الرابع عشر من شباط 2005، وبعد اغتيال رفيق الحريري، تعالت الأصوات التي تطالب بالاستعانة بالأمم المتحدة للتحقيق بحادثة الاغتيال، في مشهد مماثل لما نراه اليوم، مارست فيه قوى تعادي المشروع الوطني ضغوطا كبيرة على الحكومة اللبنانية حينها لاستجلاب التدخل الدولي بدعوى أن القضاء اللبناني غير نزيه وغير قادر على كشف الحقيقة. وبالفعل، تم تكليف لجنة دولية برئاسة الألماني ديتليف ميليس، الذي لم يتوان في أول تقرير له إلى مجلس الأمن بتوجيه الاتهام للقوى الوطنية بالوقوف خلف عملية الاغتيال، لتتكشف فيما بعد خيوط المؤامرة ويظهر مدى التزوير والفبركات التي قام بها ميليس بالتواطؤ مع شخصيات “الرابع عشر من آذار” من شراء شهود الزور واختلاق قصص وروايات في سبيل ذلك، فماذا كانت النتيجة؟ أن التحقيق ضيع المتهم الحقيقي وأحدث انقساما عاموديا بين القوى والأحزاب والطوائف مايزال يدفع ثمنه لبنان حتى اليوم.
واليوم وفي ظل النكبة التي يعيشها لبنان جراء التفجير المهول الذي ضرب عصب الاقتصاد اللبناني، مرفأ بيروت، وبدلاً من لملمة الجراح والالتفاف حول الوطن في محنته، خرجت نفس الأبواق في تناغم مثير للشبهات لتطالب بفتح تحقيق دولي، مكررة نفس الأسباب، ومتهمة القوى الوطنية وحلفائها في الحكومة بأنها السبب وراء الانفجار، على الرغم من أن كل الوقائع والمستندات تؤكد أن هذه القوى، وخلال فترة عربدتها في السلطة كانت السبب الرئيس في كل ما يجري من مشاكل في لبنان، وأن سعيرها اليوم، والدماء لم تنشف بعد في ساحة التفجير، يؤكد مرة جديدة ارتهانها للمشاريع التخريبية في المنطقة والتي تقودها واشنطن وربيبتها “إسرائيل”.
لقد أعلنت واشنطن مراراً، على لسان مسؤوليها، أن هدفها المعلن في لبنان هو تدمير المقاومة وبيئتها الحاضنة (مايك بومبيو: “حزب الله يلحق الضرر بحليفتنا “إسرائيل” ويجب القضاء عليه”)، لذا عمدت خلال السنتين الماضيتين إلى تكثيف الإجراءات العقابية من خنق الاقتصاد اللبناني والضغط على المصارف وممارسة سياسة التجويع بهدف واحد هو تحميل القوى الوطنية مسؤولية ما يجري هناك، ليأتي حادث مرفأ بيروت ليكون حلقة جديدة من حلقات الضغط والابتزاز التي تمارس على بيروت العربية ودفعها إلى خيارات بعيدة عن محيطها العربي، ولعل في كلام الرئيس الفرنسي ماكرون من وسط بيروت أمس الخميس ما يؤكد ذلك حين قال: سنقدم صفقة سياسية جديدة للقيادة في لبنان لتغيير النظام ..”.
إذن، لبنان اليوم أمام مرحلة جديدة من التحديات والضغوط لا تقل وطأة عن الحرب العسكرية في 2006، ومن بوابة التدويل مجدداً، هدفها الأول دائماًً تغيير وجه لبنان ليكون أداة بيد واشنطن وحلفائه للضغط على القوى الحية المقاومة في المنطقة، ولكن كما حققت هذه القوى النصر في تموز، ستكتب النصر من جديد اليوم على نفس القوى والأدوات وستبقى محافظة على مسار لبنان الوطني والعروبي.