دراساتصحيفة البعث

قلق فرنسي على الحريات بعد “كورونا”

 ترجمة وإعداد : إبراهيم أحمد

عن صحيفة لوموند ديبلوماتيك

يطرح وباء كوفيد 19، وبشكل غير مسبوق في العصر الحديث، مسألة الحريات المدنية والحق في الحياة الخاصة. رغم ذلك، لا أحد يطرح هذا التساؤل. كلـّما زاد انتشار وتوسع النزعة السلطوية وزادت قوانين الطوارئ، كلما زادت تضحيتنا بحقوقنا وكلـّما زادت أيضاً تضحيتنا بقدرتنا على وقف الانزلاق نحو عالم أقل ليبرالية وأقل حرية. هل تعتقدون فعلاً أنه عندما تصبح الموجة الأولى، والموجة الثانية، والموجة السادسة عشرة لفيروس كورونا مجرد ذكرى منسية منذ وقت بعيد، لن تتم المحافظة على وسائل الرقابة هذه؟ هل تعتقدون أن مجموع هذه المعطيات لن يتم تخزينها ؟ أياً كانت صيغ استخدام هذه الوسائل، نحن بصدد بناء الهيكل المعماري للاضطهاد والقمع.

في عدد 19 نيسان 2020 من صحيفة « Journal du dimanche» طرح فرانسوا فيلروا دي غالهو، محافظ بنك فرنسا، صورة عن الوضع المحتمل الذي ستجد فيها فرنسا نفسها حال خفض الأزمة الصحية، حيث صرح قائلاً: «فرنسا ستخرج من هذه الصدمة بارتفاع في المديونية العمومية بـ 15 نقطة على الأقل من الناتج الداخلي الخام، أي نسبة 115%. على المدى الطويل، يتعين أن نسدد هذه الأموال. من شأن عودة النمو بفضل عملنا وجهدنا أن يسهم في ذلك. ويمكن للحالات الشبيهة المسجلة في التاريخ السابق أن تفضي إلى تجميع الديون المرتبطة بفايروس كورونا، من أجل عدم سدادها إلا في أجل زمني طويل. لكنه يتعين علينا أيضاً، ودون أن نكبح الانتعاشة على المدى القصير، أن نتولى معالجة ما يعتبر مشكلتنا قبل الأزمة بنفس النموذج المجتمعي القائم لدى جيراننا، نحن ننفق بقدر أكبر بكثير. عليه، يتوجب علينا إرساء تصرف أكثر نجاعة، لا سيما وأن الفرنسيين لا يأملون دفع مزيد من الضرائب. يمكن لألمانيا أن تستجيب بكثافة وبقوة للصدمة الحالية، لأنها نجحت في التقليص من مديونيتها عندما كانت الأمور تسير بشكل جيد».

سلطة مضادة

عند الإعلان عن تمديد فترة الحجر الصحي بالنسبة للأشخاص المسنين، والذين يعانون الهشاشة الصحية إلى ما بعد 11 أيار 2020، دافع الكاتب الروائي الليبرالي آلان مينك، وهو من المعنيين بالإجراء، عن «مبادئ ضماننا الاجتماعي الذي يسعى إلى تحقيق المساواة بين كل المرضى إزاء الرعاية الطبية»، وانتقد بشدة «منظومة التأمين التي، عوضاً عن فرز السكان على أساس قاعدة المال كما هو الحال في الولايات المتحدة، تقوم بفرزهم على أساس قاعدة السن».

وجهت وسائل الإعلام انتقادات قاسية للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في أعقاب مداخلته ليوم 13 نيسان 2020:

  • روث آلكريف: «تاريخ، نغمة وتواضع وتعاطف. كلمة جد جافة، جد دقيقة. هناك طريقة أخرى يمكن بها أن نكون أقرب من الفرنسيين. وهناك أفق…».
  • آنا كابانا: «من خلال اللهجة، نشهد ولادة أمل. في مداخلاته السابقة، كان يستخدم أسلوباً مشوباً بالتراجيدية. لكن هنا، حدثنا عن الأيام السعيدة المقبلة… إنه ضرب من الغنائية الضاحكة».
  • آلان دوهاميل: «إنه أفضل خطاب له منذ بداياته، إنه الخطاب الأكثر إنسانية. خطاب أكثر تواضعاً وثقة. لقد سجلنا وجود لهجة وأجوبة ورزنامة».
  • تياري آرنو: «لقد فهمنا جيداً أن طريقته الخاصة لإعادة ابتكار مساره، هي حقيقة الكفاح ضد مظاهر التفاوت والحيف».

رومـانـسـيـــــة

يجب أن نحول دون نزوع بعض الأشخاص إلى محاولة التعود على الوضعية الحالية، وحتى الوقوع فريسة إغراء مظاهرها الخادعة: حركة مرور أقل كثافة بكثير على الطرقات، سماء خالية من حركة الطائرات، ضجيج واضطراب أقل، العودة إلى نمط عيش ميسر وإلى ارتياد البقالة المحلية المجاورة، انتهاء مجتمع الاستهلاك. تعتبر هذه الرؤية الرومنسية مضللة لأن تباطؤ نسق الحياة الاجتماعية والاقتصادية هو في الحقيقة وضع جد عسير وقاس على عدد كبير من السكان الذين لا يرغبون في عيش تجربة أطول من التراجع التنموي الإلزامية. معظم الأشخاص يشعرون بالحاجة وأيضاً بالرغبة والارتياح، للعمل والخلق والإنتاج والتبادل والاستهلاك. يمكن أن نقوم بذلك بهذه الدرجة أو تلك من الذكاء، كما لنا الحق في أن نستخلص بعض الدروس من الأزمة الحالية. لكن يظل من الضروري، بقدر كبير، أن يستعيد النشاط الاقتصادي مكانه في أقرب الأوقات الممكنة.

مـنـعـطــــف

يقول فرنسيس فوكوياما- مؤلف كتاب «نهاية التاريخ والإنسان الأخير» سنة 1992 والذي أعلن الانتصار النهائي لليبرالية الاقتصادية والسياسية على النمط الغربي- في حوار أجرته معه «لوبوان» في التاسع من نيسان 2020: « ليس لأنني كنت أصف هيمنة نظام، وتحديداً نظام الليبراليين الذين جعلوا من الدولة عدوهم الرئيسي، أنّي أشاركهم هذه القيم، بل بالعكس أعتقد أننا نرى اليوم ذيل كويكب النيوليبرالية، إلى حد الاعتقاد بأنها ماتت، وبأننا سنعود باتجاه ليبرالية خمسينيات وستينيات القرن الماضي، عندما كان هناك تعايش بين اقتصاد السوق واحترام الملكية الخاصة وبين دولة ناجعة كانت تتدخل من أجل الحد من أوجه التفاوت الاجتماعي والاقتصادي. مرة أخرى، ما يكشف عنه هذا الوباء هو الحاجة إلى دولة قوية».

تـرفـيـــــه

في نصيحة الحجر الصحي الذاتي التي قدمتها ماري – كلاركابوبيانكو – العضو السابقة في اللجنة التنفيذية لمجموعة بي آر بي باريبا، ضمن دليل الأولياء في فترة الحجر الصحي تقول: “في الوقت الذي تتردى فيه فرنسا في مربع الركود ويترصدنا شبح البطالة والفقر، أتى دليل تطبيقي أعدته الحكومة ليفسر للأولياء كيفية إدارة فترة الحجر الصحي العام لأبنائهم عبر مساعدتهم على إدراك حجم الادخار الذي تم إيداعه باسمهم. خلال هذه الفترة الصعبة التي تحملنا على التفكير في مواضيع متنوعة، يمكن لبعض الأولياء أن يطرحوا على أنفسهم السؤال التالي، هل يجب غلق حسابات الأبناء؟ إذن ودون تردد، جوابي هو لا. يمكنكم الاستفادة من فترة الحجر هذه من أجل تعريفهم بأبجديات الميزانية. يمكنكم بصورة ترفيهية أن تقّربوا من أذهانهم مسألة الادخار الذي أودعه أجدادهم أو أودعتموه أنتم بأسمائهم والمبلغ الذي تم صرفه مؤخراً لقضاء شؤون منزلية أساسية، أو أن تحدثوهم بأسلوب أكثر مرحاً، عن اللعب أو الكتب التي يمكنهم اقتناؤها عندما تفتح المكتبات مجدداً أبوابها… أيا كان الأمثلة التي ستختارونها، فإن “بيداغوجيا” الآليات الأكثر بساطة للإنفاق وللدخل، ستكون في كل الأحوال جد مفيدة بالنسبة إليهم. ثم وفي وقت لاحق، يمكنكم جميعاً أن تستذكروا اللحظة المميزة التي علمتموهم فيها كل هذه الأشياء”.