دراساتصحيفة البعث

أمريكا وهيكلة عالم عربي جديد

د. رحيم هادي الشمخي

كاتب عراقي

لعلّ الوقت مازال مبكراً لإصدار أحكام تتّسم بالموضوعية العلمية بشأن تأثيرات الأحداث الجارية في منطقة الشرق الأوسط على جميع المستويات: النظام العالمي، والنظم الإقليمية، والدول التي تؤجّج الصراعات ذاتها، غير أن التدخلات الأمريكية والتركية والصهيونية في المنطقة العربية ازدادت شراسة وعنجهية وهيمنة على مقدرات الشعوب العربية، غير آبهة بالقوانين الدولية وميثاق الأمم المتحدة وحقوق الإنسان.

كذلك، قد يكون الالتفاف الأمريكي اليوم على قرارات مجلس الأمن وتجاوزها في الحالة السورية والعراقية له أكبر الأثر في غياب الشرعية الدولية، وهذا ما وجدناه في خمسينيات القرن العشرين حين عصفت الولايات المتحدة الأمريكية بحقوق الإنسان، استناداً إلى مسوّغات واهية تمثّلت بالحرب الباردة لاحتلال دول بعينها وتجويع بعضها.

إن المتتبع للأحداث يرى أن الولايات المتحدة الأمريكية وصنّاع القرار فيها قد خطّطوا للسيطرة على المنطقة العربية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وبعد أحداث 11 أيلول حاولت إعادة هيكلة العالم، ومنه وطننا العربي، وفق أهدافها ومصالحها. ولكن ثمة بارقة أمل للشعب العربي أن يفيق من سباته ويعلن عن فجر عربي جديد ضد الولايات المتحدة الأمريكية و«إسرائيل» وتركيا في المنطقة العربية.

ويصدق الشيء نفسه على السياسة الخارجية الأمريكية، فكلّ حرب تدخلها الولايات المتحدة هي بالضرورة (حرب أخلاقية) تقف فيها الولايات المتحدة في جانب (الخير)، حسب نهجها الاستعماري!، ولكن اللفظ الذي استخدمه ترامب بشأن الأحداث في المنطقة العربية، وبصورة خاصة في سورية، يعبّر عن جوهر المسألة الحقيقي بأن أمريكا لا تمتلك أخلاقاً ولا معايير قانونية لكونها درّبت آلاف المرتزقة وأدخلتهم لهذا البلد العربي من دون مسوّغ.

يكفي أن نشير إلى ما ترتب على الأحداث الجارية الآن في المنطقة العربية والاندفاعة الأمريكية في الحرب ضد الإرهاب، ومن إعادة تكييف الصراع العربي- الصهيوني، إذ أصبحت، من المنظور الأمريكي، الحرب ضد الإرهاب هي حرب ضد المقاومة الفلسطينية والعربية في العراق وسورية واليمن وليبيا ولبنان وضد كل من بعارض مشاريعها الاستسلامية، ومن الواضح أن اليمين الأمريكي الجامح في البيت الأبيض لم يعد يرضى بأقل من الاستتباع الكامل للهيمنة الأمريكية في الوقت الحاضر، وإعادة صياغة العالم العربي حسب مشروع الشرق الأوسط الكبير، وهيكلة عالم عربي جديد.