اقتصادصحيفة البعث

خلل تنموي..!

حسن النابلسي

أن يكسر عدد من الفلاحين قاعدة “من يغير كاره يقلّ مقداره”، ويتركون كار الزراعة الذي عانوا منه ما عانوه من أعمال شاقة وخسارات كبيرة نتيجة الظروف المناخية حيناً، وارتفاع تكاليف مستلزمات الإنتاج حيناً آخر، وتحكم تجار سوق الهال بمنتجاتهم الزراعية التي كانوا يوردونها لهم طوال سنوات أحياناً كثيرة، فهو موقف يستحق بداية التوقف عنده كثيراً..!

وأن يتوجه هؤلاء أو بعضهم إلى القطاع العقاري ليس كملاذ لما تبقى لهم من رأس مال فحسب، بل لتنمية الأخير عبر قنوات المضاربة، فالقضية باتت بحاجة إلى دراسة جدية للحيلولة دون انتعاشٍ لقطاع خدمي ريعي على حساب آخر اقتصادي إنتاجي..!

وفي وقت لا ننكر أن المتاجرة بالعقار مجديةً لتنمية الملاءة المالية ليس في سورية فحسب بل في معظم دول العالم، إلا أن الكثيرين خاصة عديمي الخبرة بحيثيات السوق ودهاليزه، لم يفلحوا بتنمية أموالهم، لا بل إن بعضهم وقع في فخ الاحتيال، كما حصل ذات مرة مع أديبٍ مغمور قرر تنمية ما ورثه عن أبيه بهدف دعم مشروع ثقافي خاص له، فوجد أن العقار هو الطريق الأسرع لتحقيق ما يصبو إليه، لكنه ونتيجة عدم درايته بأمور البيع والشراء وقع في شرك عملية نصب واحتيال “شفطت” خميرته المالية، وذلك بعد أن غُرر به لشراء قطعة أرض مؤهلة للتنظيم في القريب العاجل ما يعني أن ربحه المضاعف من هذه الصفقة محقق، والمسألة مسألة وقت، حسب ما أكد له السمسار الذي حاك خيوط هذه اللعبة بالاتفاق مع بائع الأرض، وكانت النتيجة أن قامت البلدية بشق طريق وسط قطعة الأرض لتذهب هباءً منثورا، وتلاشي كل من البائع والسمسار عن الأنظار ليتبين لاحقاً أنهم ليسوا من سكان المنطقة الموجودة فيها الأرض..!

إن القصد من عرضنا هذا هو لفت عناية مسؤولينا إلى الأخطار المحدقة بقطاعاتنا الإنتاجية والخدمية، واختلال توازن أسواقنا وما ينجم عن ذلك من انفلات بعض السلوكيات والتجاوزات من إطار الحالات الخاصة الممكن السيطرة عليها، وتتطور فيما بعد لتصبح ظواهر عامة أو نهج يصعب تغييره لاحقاً..!

لقد وصل اختلال ميزان التنمية بين القطاعات الاقتصادية إلى مرحلة غير مقبولة من عدم التوازن، ونجم عنها انعكاسات باتت تنذر بانحسار المشاريع الاستثمارية، وتوسيع دائرة نظيراتها الخدمية..ويخشى في حال بقي الحال على ما هو عليه من وأد البنية الإنتاجية واتسام الاقتصاد السوري بسمة “الاستهلاكي”..!

hasanla@yahoo.com