الشاعر الفراتي عبد الناصر الحمد.. رحيل موجع
كهدوئه الذي عُرف به، كان رحيله دون مقدمات أو ضجيج ليشكل خسارة كبيرة للحياة الأدبية السورية بشكل عام وللشعر الشعبي بشكل خاص، حيث يعدّ الراحل عبد الناصر الحمد من أهم شعراء الشعر الشعبي في سورية، فلقُب بالشاعر الفراتي وبشاعر النجوم، وقد نعاه اتحاد الكتّاب العرب واتّحاد الصحفيين وعدد كبير من محبيه في أنحاء الوطن العربي.
الحظ الأوفر
توزّعت اهتمامات الراحل في البدايات، كما صرّح أكثر من مرة، بين الرسم والنحت والشعر، إلا أن الشعر كان صاحب الحظ الأوفر، فسيطر على مشواره وقد كتب القصيدة الفصيحة في مرحلة مبكرة جداً من حياته، إلا أنه قدّم القصيدة الشعبية مصادفة وهو طالب جامعي آنذاك، أُعجب الجمهور بها لأنها كانت مليئة بالصور، فبدأ يكتب القصيدة الفصيحة كالقصيدة الشعبية معتمداً على الصورة، وكان الشعر الشعبي بالنسبة له منافساً شريفاً للشعر الفصيح، يقدّم له خدماته الجليلة دون محاولة الحطّ من شأنه أو الاستحواذ على مكتسباته، موضحاً أن القصيدة الشعبية تختلف عن القصيدة الفصحى كونها قصيدة متحررة من مسألة النحو، وأن المفردة الشعبية مفردة بمتناول يد الشاعر، فهو يكتب حسب اللهجة التي يتحدّث بها ولا يحتاج إلى معرفة أصول المفردات، بل يستطيع أن يستخدم حتى المفردة الفصيحة في قصيدته الشعبية، أي أن القصيدة الشعبية نسيج خاص فرضته ظروف خاصة واستمد استمراريته نتيجة انتشار الأمية فلعب دوراً مهماً بالحفاظ على العادات والتقاليد والقيم العربية، منوهاً بأنه وبعد انتشار التعليم، حتى في البوادي، بدأت القصيدة الشعبية تنتقل من الصدور إلى الكتب، وهذا ما قلّل من أهميتها، لذا كان يرى أن الفورة العارمة للقصيدة الشعبية اليوم نتيجة الحاجة إلى التدوين والحفظ.
الشعر الفصيح عماد اللغة
كان الراحل يؤكد دائماً أن الشعر الفصيح هو عماد اللغة العربية والثقافة، ولا يمكن التخلي عنه بأي شكل من الأشكال، لقدرته على مواكبة كلّ التحولات والتطورات والتعبير عن مشاعر جميع الطبقات الاجتماعية والإنسانية وعلى استيعاب الثقافات والرؤى والفلسفة، مبيناً أن شعره كان بالنسبة له نبض حياته، والحياة من حوله، فكل قصيدة له كان لها خصوصيتها وموضوعها الذي لا يأتي مصادفة.
قصائده المغنّاة
مطربون سوريون وعرب غنوا له الكثير من شعره الشعبي مثل: وضّاح إسماعيل “كلّك نظر” وسعدون جابر “عشرين عام، كل سنة وأنت حبيبي، بيتنا المهجور”، وفؤاد سالم “طلعت شمسنا الدافية” وفتحي كحلول من ليبيا “يما صباح العافية”، كما غنّت له أيضاً بعض الفرق الفلسطينية. وكان الراحل يوضح دائماً أن الشعر المغنّى من أجود أنواع الشعر، وهو لم يتقصد كتابة أغنية لأحد إنما كتب الشعر، وقد وجده الملحنون والمطربون يصلح للغناء، فقصيدة “عشرين عام” التي غناها المطرب العراقي “سعدون جابر”، هي قصيدة طويلة اختار منها ثلاثة مقاطع فقط وردّدها بعده الألوف كباراً وصغاراً على امتداد العالم العربي.
تجربة مهمة
للراحل تجربة مهمّة على صعيد العمل مع ذوي الاحتياجات الخاصة، مستفيداً من خبراته التي اكتسبها بفعل تنقلاته في البلاد العربية وتعامله مع أطفال يعانون من عسر القراءة، وقد اكتشف من خلال تجاربه العديدة في هذا المجال الأخطاء التي تُرتكب على صعيد تصنيف مشكلات الأطفال في العمر المدرسي من قبل غير المختصين، مع الإشارة إلى أنه اختار موضوع عسر القراءة لرسالة الماجستير. كتب للأطفال وعمل معداً للبرامج في قناة التربوية السورية. وهو من مواليد دير الزور 1958 يحمل إجازة في الآداب قسم الدراسات الاجتماعية- دبلوم في التأهيل التربوي- عضو اتحاد الكتّاب العرب- عضو اتحاد الصحفيين- عضو اتحاد الصحفيين الكويتيين- عضو لجنة الشعر في معجم البابطين للشعراء العرب المعاصرين- أمين المكتبة المركزية للشعر العربي في الكويت مابين (1999-2004)- سكرتير تحرير مجلة بريق الدانة (الكويت) مابين (2004-2006)- سكرتير تحرير مجلة مذهلة (الكويت) (2006)- مدير مكتب قناة الصحراء في الكويت (2006)- إضافة إلى عمله كمرشد اجتماعي مسؤول عن دمج ذوي الاحتياجات الخاصة.
أعماله المطبوعة: تراتيل لغيلان الدمشقي (شعر فصيح)- يا غريبة (شعر شعبي)- دفتر المولية (شعر شعبي)- دفتر الغزل (شعر شعبي)- ملائكة من ورق (شعر فصيح)- معجم صفات النساء- فرسان من الصحراء- مختارات من الشعر الفارسي.
كما أعدّ العديد من البرامج نذكر منها: قصائد الفيلم الوثائقي أغنية فلسطينية- قصائد الفيلم الوثائقي معركة ميسلون- هنا البادية- اتجاهات- شخصية لها بصمة- عالم من المعارف. حاز الراحل على عدد من الجوائز منها: درع مهرجان الخالدية للشعر الشعبي والنبطي في الأردن 1997 والجائزة الأولى في مهرجان البادية للشعر الشعبي في تدمر بسورية 1997، درع سعدي الشيرازي لنظم 69 قصيدة فارسية باللغة العربية.
أمينة عباس