النجاح في العمل.. طاقة إيجابية ذاتية وابتعاد مثمر عن سلبية زملاء الوظيفة
إن زحمة العمل وضغطه، وتوتر العلاقات تضاف إلى بعض السلوكيات التي تنفّر، ,تؤدي لضعف الأداء، ورغم أن الكثيرين يحبوننا كما نحن، ويتقبلون سلوكنا بحلوه ومرّه، لكن هناك بعض التصرفات التي تصدر عنا قد لا يتقبلها الآخرون، ومهما حاولوا غضّ الطرف سيكون الأمر صعباً بالنسبة لهم، وخاصة إذا كانوا ممن يعملون معنا في مكان مزدحم ومتوتر، وفي الوقت نفسه سيؤدي ذلك لابتعادنا عن النجاح والإبداع في العمل.
نجاح الواقع الافتراضي
إن من أبرز الأمور التي تسبّب النفور في العمل هي أخذ الأمور بنظرة شخصية، فعند تكليف واحد من أصدقائك في مكان عملك بعمل مغاير لعملك، أو أكبر من عملك، في وقت كنت فيه تخطّط للوصول إلى ذلك العمل، فهذا سيعني لك الفشل في عملك، ويكتمل الخلاف عندما يستعين هذا الصديق بشخص آخر غيرك لمساعدته في العمل، وستضع إشارات الاستفهام حول سلوك صديقك، وتعتبر أنه أساء لكل ما يجمعكما سابقاً، والتفكير بهذه الطريقة سيدمّر ثقتك بقدراتك، ويسبّب تراجعك في العمل، ناهيك عن تراجع علاقات الصداقة وفقاً لما أكده لنا المرشد الاجتماعي أحمد إبراهيم محمود، فتقييم الذات من خلال النظر لسلوك الآخرين تجاهنا هو بداية الفشل بتحقيق أهدافنا، نظراً لما يسبّبه من انعدام الثقة بالنفس، والعلاج هنا يكون بتذكّر ما سبق بيننا وبين هذا الصديق، والتفكير به بكل هدوء وتمعن، وتحليل الموقف من نظرته، والتعرف إن كان فعلاً قد أساء للصداقة أم أن ما قام به تمليه ضرورات العمل البحتة. صحيح أن الغيرة عامل محفز على العمل والنجاح، لكن يجب أن تكون وفق مستوى مدروس، فإذا زادت عن حدّها فستحوّل صاحبها إلى شخص مريض، أو شرير، لذا يجب أن تكون الغيرة محصورة في اتباع الطرق الناجعة التي يتبعها الآخرون للنجاح، أو التفكير بطرق أفضل منها لمنافستهم، وتطوير شخصيتنا وقدراتنا، بعد التأكد من أن مصدر الغيرة ليس الكره أو البغض للآخرين بل رغبة صادقة في النجاح، كما أن انتظار الشكر والمديح من الآخرين سيولد شعوراً باستدرار شفقتهم أو مساعدتهم لك، وهذا أيضاً اعتماد على الآخرين في تقدير الذات، وسينتهي بالعجز والفشل أيضاً بعد ضياع المعايير الحقيقية لتقدير الذات بصورة داخلية، ولابد من الانتباه إلى أن ما يزيد من هذه الظاهرة هو اعتمادنا على عالم الانترنت الافتراضي لتقدير الذات، وانتظار تعليقات الإعجاب والمديح من جمهور الأصدقاء، سواء أكانوا صادقين أم مجاملين لما ننشره من أعمالنا للشعور بالنجاح، أكان حقيقياً أم زائفاً، والحلّ هنا يكمن في عزل أنفسنا عن هذا العالم الافتراضي لبعض الوقت، ومن ثم التفكير بهدوء وتروٍ في ممارسة أعمال ومهام تضيف لنا الأهمية الحقيقية، وتبعدنا عن التخلّص من حاجتنا لدعم أو مديح الآخرين لدعم الشعور بأهميتنا، إضافة للبحث عن هوايات جديدة ومتنوعة تملأ أوقات فراغنا.
النقد البنّاء واجب..
الاختصاصية الاجتماعية سهاد محمد أكدت أنه يتوجّب علينا تقبل نقد زملاء العمل لنا في حال كان نقدهم بنّاءً وهدفه النصح لنا، واعترافنا بخطأ سلوكنا مهما صاحبه من ألم، فهو بحث عن الحقيقة وموطن الخلل لإصلاحه، وفي حال رفضنا لمشورة الغير فهذا يعني ضعفنا وتوجهنا نحو المزيد من الفشل في العمل مقابل إرضاء الذات، أما إذا فكرنا بموضوعية وآمنا أن المشورة صدرت من شخص اعتبرناه جيداً ويريد تحقيق أمر جيد، فهذا الشيء سيحفزنا على العمل بدلاً من اعتبار انتقاد الآخرين البنّاء نوعاً من التهجم والعداوة وخلق المشكلات العبثية معهم، كما علينا ألا نهمل لغة الجسد التي نستخدمها عندما نتلقى الانتقادات، والاستماع جيداً إلى ما يقال، وفيما إذا كان يستحق منا التغيير في سلوكنا وطريقة عملنا، وعلينا التذكّر أنه لا يوجد على وجه البسيطة إنسان كامل بلا أخطاء، فحتى النظريات الصادرة عن العلماء يتمّ نقدها وتجديدها، أو حتى إثبات فشلها، سواء من مختصين أو حتى أناس عاديين، وبذلك فإن النصيحة والنقد البنّاء يصبحان أمراً ضرورياً، شرط بناء النصح على أسس صحيحة ومتينة، في مقدمتها امتلاك الأسلوب الصحيح والمرن القادر على التأثير في سلوك الآخرين بعد النظر بتمعن إلى السلوك الخاطئ الذي ارتكبوه، وليس الاكتفاء بالنقد المسيء وغير المبرر، كما لا يجب أن تكون غاية النقد البحث عن السلبيات دون نظرة تشمل الإيجابيات، وإذا اتسم الناصح بذلك فهو شخص سلبي وقد يعاني من الاضطراب، فالنقد البنّاء يجب أن يصدر بعد عملية تقييم بنّاءة ونظرة موضوعية تستهدف تصحيح الخطأ إن وجد، وتحقيق النجاح في حال العمل، ومن باب الحرص. أما تصيّد الأخطاء فيكون بترجيح كفة السلبيات مهما كانت قليلة، وعلى من ينتقد أن يصدر الأحكام بدليل، ولا يعتمد في منطقه على معلومات غير دقيقة أو على خلافات وجهات النظر، أو التخوين المفترض لنوايا الغير، فالنقد البنّاء يعمل على وضع الحلول بغضّ النظر عن علاقتنا مع الأشخاص، ومن أبرز سمات النقد الإيجابي أيضاً البحث عن الحل قبل تعليق الجرس، كما يتوجّب عليك الابتعاد عن تمثيل دور الضحية، أو الظن أن الجميع يسعون لتدميرنا أو تنمرنا، وفي حال ساد لدينا الاعتقاد بذلك فعلينا التمعّن جيداً بالأسس التي بنينا عليها ذلك، فالشعور بالسوء والأسى من أدنى الخلافات والمشكلات اليومية سينهي طاقتنا الإيجابية التي تعدّ أساس العمل الناجح والاتزان، ومهما شعر الإنسان بالسوء عليه العمل بثقة لتصحيح هذا الشعور، وعدم تصور المشكلات كبيرة ومستحيلة الحل من خلال الثقة بالنفس، والتوقف عن تحميل الآخرين مسؤولية ما نشعر به أو نمرّ به من مشكلات، وعلى الإنسان الناجح والمتوازن الابتعاد عن النميمة في العمل على وجه الخصوص، لأن أي إنسان يتمتّع بسلوك إيجابي ومتوازن فإنه يكره النميمة والتحدث بصورة سيئة وسلبية عن الآخرين، وعلى الإنسان أن يعي أن استمراره بالنميمة سيعني تكاثر الأناس السلبيين ونفور الإيجابيين الذين يكرهون النميمة من حوله، كما يتوجّب عليه الابتعاد عن الثرثرة، وتغيير موضوع الحديث بطريقة لطيفة في حال تضمن النمّ عن الآخرين.
بشار محي الدين المحمد