مع استمرار عروض “أدرينالين”.. زهير قنوع: التعامل مع الفضاء الافتراضي دون وعي كارثة
بعد غيابه الطويل عن خشبة المسرح لم يرغب المخرج زهير قنوع أن تكون عودته إلى المسرح عادية، وهذا ما تؤكده مسرحية “أدرينالين” التجربة المسرحية الجديدة شكلاً ومضموناً والتي أدارها كمخرج ومشارك في كتابة النص إلى جانب يارا جروج بحرفية عالية من خلال تناوله لموضوع الجريمة الالكترونية.
الفضاء الأسود
ويبيّن قنوع أن ما شجعه على تناول هذا الموضوع بالتحديد تزايد الجرائم الالكترونية بشكل متسارع، وقد أصبح المجرمون عبر شبكة الإنترنت وفضائها الأسود أكثر خيالاً وخطورة وسطوةً وبشاعةً وقسوةً، حيث تحول هذا الفضاء الأسود إلى مكان للشذوذ والشواذ والانتهاكات دون رقابة، لذلك تؤكد اللعبة المطروحة في المسرحية بدلالاتها على ذلك وعلى الدور الذي بدأت تلعبه الميديا في إعطاء قيمة لأشخاص قد لا يستحقونها، وكيف تغيرت لغة البشر كلها من خلالها، موضحاً أن الذكاء الاصطناعي يطور العديد من مناحي الحياة، لكنه ودون أدنى شك أثّر فينا أيضاً بشكل سلبي ليدمر حياة أجيال كاملة حين ينهش في كل لحظة ما تبقى من ماضينا وحاضرنا ويغتصب بفجور حيواتنا المحملة بالتعب والصدمات والعزلة والعنف، خاصة وأن أي شخص يتقن التعامل مع الفضاء الافتراضي برأيه أصبح بإمكانه أن يكون مجرماً ألكترونياً إذا كان لديه ميول شاذة، مؤكداً أن موضوع المسرحية الخطير والجريء كان تنفيذه أمراً شائكاً في ظل وجود معايير كان يجب الحفاظ عليها قدر الإمكان، ويسعده أنه وفريق العرض قد نجحوا في إنجاز العرض وقد تم الخروج بكتابة نص تُرجِم على خشبة المسرح بشكل فني مع حرصه كمخرج على تقديم عمل رشيق بعيداً عن الإطالة حتى لا يمل الجمهور وفي ظل وجود عناصر جذابة ومحاولة تقديم نص يتكئ في مفاصله على الواقع ليكون قريباً من الناس ليشعروا بمكامن الخطر الذي تحاول المسرحية التنبيه له، منوهاً أنه وكمخرج كان حريصاً على اختيار وجوه شابة لتجسيد الأدوار والشخصيات، وهو فَعَل ذلك عن سابق إصرار لأن المتأثرين والمؤثرين بهذا الموضوع هم من جيل الشباب، ولأن معظم جمهور المسرح ينتمي لهذه الفئة، إلى جانب رغبته الدائمة في التعامل مع فئة الشباب، وهذا ما يحاول ترجمته في كل أعماله التلفزيونية والسينمائية والمسرحية انطلاقاً من إيمانه بوجود جيل من الشباب الموهوبين وهو يهوى العمل معهم.
العودة إلى المسرح
يشير المخرج قنوع إلى أن غيابه عن المسرح ولفترة طويلة وهو ابن عائلة مسرحية معروفة وفي رصيده عدد كبير من الأعمال المسرحية كممثل ومخرج ومنتج سببه انشغاله بالتلفزيون والسينما، مؤكداً أن العمل في المسرح متعة لا يمكن أن يمنحها أي فن آخر، لذلك كان من الطبيعي أن يعود إليه وقد بدأ فيه ممثلاً ومؤلفاً ومخرجاً ومنتجاً، مشيراً إلى أنه عاد اليوم ومن خلال “أدرينالين” لأن مجموعة ظروف توفرت لإنجاز العمل من حيث الوقت المناسب والرغبة القديمة لديه والنص الجيد، مبيناً أن نص “أدرينالين” كان الخيار الأول والأخير له لتقديم عمل مسرحي بعد غياب.
حلم أي فنان
وحول جدوى العرض المسرحي وقدرته على التأثير يرى زهير قنوع أن خطورة الموضوع المطروح وأهمية طرحه في وقتنا الحالي تجعله يتمنى أن ينجح في التأثير على جيل الشباب وإيصال رسالة العمل والتي تبين أن التعامل مع الفضاء الافتراضي دون وعي هو كارثة، ولا يخفي أن صعوبات عديدة واجهت فريق العمل أثناء التحضير في زمن الكورونا، خاصة وأن قانون التباعد من الصعب أن يتحقق أثناء التحضيرات، لذلك عانى الجميع في سبيل الالتزام قدر الإمكان بالإجراءات الاحترازية، والتي سيلتزم بها أيضاً الجمهور حرصاً على السلامة العامة حيث الأماكن في المسرح ستكون محدودة لتحقيق التباعد.. ويختتم قنوع حديثه بالإشارة إلى أنه يعمل كمخرج للمرة الأولى مع مديرية المسارح–المسرح القومي وهو سعيد بهذا التعاون لأن العمل مع المسرح القومي هو حلم لأي فنان، لافتاً إلى أنه سبق وأن عمل فيه كممثل وكان لديه حلم أن يقدم عملاً من خلاله وقد تحقق هذا الحلم من خلال مسرحية “أدرينالين” أما تكرار تجربة المسرح فهذا يعتمد على وجود مجموعة ظروف: توقيت مناسب ونص جيد وفريق عمل مناسب.
من السينما إلى المسرح
تبدو يارا جروج سعيدة بالشراكة مع زهير قنوع في كتابة النص، مؤكدة أن هذه الشراكة ناتجة عن الانسجام والتناغم بينهما، حيث أنهما يفكران بالطريقة نفسها دائماً، مشيرة إلى أن الفكرة الأساسية للمسرحية هي لقنوع، وقد ترجماها إلى نص سينمائي في بداية الأمر ثم حولاها إلى نص مسرحي، مع إشارتها إلى أن التحويل من نص سينمائي إلى نص مسرحي قد ألغى مجموعة خطوط كانت موجودة، وهي راضية عن التجربة المسرحية التي تتابعها اليوم بحب وإعجاب، مؤكدة أنها متورطة عاطفياً مع المسرح، ومبينة أن جمالية المسرح تكمن في البروفات التي يخضع فيها النص إلى تعديلات يومية والتي كانت جروج سعيدة بها لأنها كانت دائماً تصب في صالح العمل والذي جعلها دائماً شريكة حقيقية مع الآخرين في هذا العرض، من هنا ترى أن أجمل ما في المسرح هو أن عمل الكاتب فيه لا ينتهي بمجرد الانتهاء من كتابة النص، ولا تخفي جروج أنها كانت خائفة جداً في بداية “أدرينالين” وهي التجربة الأولى لها في المسرح، لكنها تدريجياً تخلصت من هذا الخوف وتعلقت بالمسرح كثيراً الذي أصبح اليوم من ضمن خيارات عملها إلى جانب التلفزيون والسينما التي تعشقها كثيراً وتعمل فيها على صعيد الإخراج والكتابة.
رؤية خاصة
وتؤكد سيرينا محمد التي تجسد شخصية الممثلة الشابة ليديا والتي تعرضت للخطف من قبل العصابة الالكترونية أنها تخوض مع المخرج قنوع تجربة فريدة من نوعها على صعيد الموضوع المطروح وعلى صعيد الأداء، مشيرة إلى أن “أدرينالين” أول عرض مسرحي لها للكبار وقد سبق أن شاركت في أعمال مسرحية موجهة للصغار، مبينة أن أكثر ما أغراها للمشاركة في العمل هو موضوعه حيث كان من الضروري برأيها تسليط الضوء على ما يحدث في الفضاء الافتراضي وعلى الجريمة الالكترونية والتنبيه لما يتعرض له شبابنا على هذا الصعيد والتحذير لما قد ينتج عن ذلك مستقبلاً، مبينة أن المخرج قنوع له رؤية خاصة تجسدت في موضوع العرض وشكله، وهو يختلف عن كل المخرجين الذين سبق وأن تعاملت معهم على صعيد الطرح وإدارة الممثل.
وهذا ما يؤكد عليه أيضاً الممثل سليمان رزق الذي يجسد شخصية نوح والذي بيّن أن “أدرينالين” يشكل نقلة جديدة بالنسبة للمسرح بشكل عام وبالنسبة له بشكل خاص، خاصة وأن موضوع العرض لا يخص بقعة جغرافية معينة بل يمس جميع المجتمعات في العالم.
“أدرينالين” من تمثيل إسماعيل ديركي–سيرينا محمد–سليمان رزق–سامر سفاف–أوس وفائي–سمير الشماط، مع ظهور خاص لديمة قندلفت على الشاشة.
أمينة عباس