معتز علي ومحمد خير محظية ينامان في علب ألوانهما
رحل الفنان الفلسطيني الشاب معتز علي بصمت ودون وداع.. رحل مثلما كان يأتي وحيداً متوكئاً على ألمه المزمن، عرفته منذ تسعينيات القرن الماضي بوجهه الطفولي، فتى يحمل بعناء حقيبته السوداء التي تحتوي بعض المجلات التي نشرت له شيئاً مما رسمه وكراس الرسم الخاص به محشو بعشرات الأعمال الكاريكاتورية والموتيفات عن قضية شعبه الفلسطيني، فكان متابعاً لأحداث ما يجري في الأرض المحتلة والشتات، ولكل ما يتعلق بقضية الفلسطينيين.
يأتي من مخيم جرمانا قاصداً أكثر من صحيفة ومجلة ودار تعينه في نشر رسوماته مقابل القليل جداً مما لا يعنيه من مال، كل ما يريده أن يبقى حاضراً فيما يحب من تعبير يتاح له عبر هذه الوسائط.
فتى خجول وهادئ متعب القدمين وجميل القلب ومثابر، تذكرني مثابرته هذه بذلك الصديق الراحل ابن مخيم خان دنون محمد خير محظية، كذلك كان نحيلاً وحزيناً يتأبط أوراقاً وكراسة أينما يذهب ولم يستطع أن يجعل منها كتابه الذي حلم أن ينجزه عن الفن التشكيلي الفلسطيني فبقيت مخطوطاً بعشرات النسخ الموزعة على الأصدقاء، ولربما كانت تلك المحاولة مع ما كتبه الناقد الفلسطيني الراحل خليل صفية في مجلة الحياة التشكيلية السورية هي من أولى بدايات التوثيق والكتابة في النقد التشكيلي الفلسطيني، فيما كانت عشرات الكتب بل المئات منها تطبع في العواصم العربية تتضمن السياسة والأدب والسيرة الذاتية والتراث، ويغيب عن مؤلفيها الفن التشكيلي الذي لا يتعدى حضوره بعض البروشورات المرافقة للمعارض والمدفوعة تكاليفها من جيب الفنان.
محمد خير محظية ومعتز علي فنانان من عشيرة الحب والقهر معاً، انتصرا على مرض لازمهما طيلة عمرهما بالكتابة والرسم، سكنا قلوباً كثيرة وسكنت فلسطين شرايينهما التي أتعبها الحرمان، والعتب على المؤسسة الفلسطينية الرسمية وفصائلها التي كانت تملك وسائط النشر والإعلام وتدفع الرواتب لرهط من الموظفين المحسوبين على الثقافة وتدفع لتنجيمهم كأبواق لها، تاركة أولئك الموهوبين أمثال محظية ومعتز علي يأكلون من أعمارهم القصيرة مرضى وعشاق في آن معاً، لكن الموت انتصر عليهما مثلما ينتصر على كل البشر أخيراً.. هكذا الدنيا تبدو غير عادلة في كثير منها، لهذا يرحل الطيبون منها سريعاً نحو سماء أكثر عدلاً من أرض نُهبت وتُنهب.
أكسم طلاع