الولايات المتحدة الأمريكية لم تعد تقود العالم
ريا خوري
بعد أزمة كوفيد 19 (كورونا) بات الشغل الشاغل لكبار القادة والسياسيين والخبراء الأمريكان الذين بدؤوا يبحثون في موضوع مهمّ جداً بالنسبة لهم، هو: هل مازالت الولايات المتحدة الأمريكية تقود العالم؟ هذا السؤال أرَّق الكثيرين، وخاصة عندما يتذكرون ما قاله الزعيم البريطاني ونستون تشرشل لأحد رؤساء الولايات المتحدة الأمريكية، وهي أنَّ وضع الدولة العظمى التي تقود العالم وتتسيَّده لا بُدَّ أن تسدِّد ما عليها.
الثمن الضخم هو المسؤولية، نعم.. إذ ما زال الأمريكان مهووسين بهذا الأمر إلى يومنا هذا، والسبب في ذلك القلق هو أزمة (كورونا) وانعكاسها على جميع مجريات الحياة الأمريكية الاقتصادية والسياسية والعسكرية والأمنية، وتحوُّل الدول الأخرى في نظرتها لقيادة العالم. هنا نجد الإرباك الكبير الحاصل بين التيارات والأحزاب والقيادات في الولايات المتحدة وفي العديد من دول العالم، فمنهم من يترقب تقييم القيادة الأمريكية لقيادة العالم والتسيّد عليه، وهناك من يتساءل حول هل هناك إمكانية لأن تسترد الولايات المتحدة مكانتها كما كانت عليه قبل الجائحة، حيث إنه من المخجل تماماً أن تجد نفسها هكذا عاجزة أمام فيروس كورونا!.
لقد اكتشف الكثيرون من رؤساء وقادة العالم فراغاً كبيراً أحدثه فيروس كورونا في قيادة العالم، منذ انهيار الإمبراطورية الإسبانية في القرن السابع عشر الميلادي، ولم يحدث أبداً أن رأينا مشاعر مضادة للولايات المتحدة كالتي نراها الآن، ووصلت مرحلة من اليأس تثير الأسى والحزن لدى الكثير من الأمريكان. والحقيقة أن ديناميكية القوة هي الجوهر والأساس في قوة الدولة ومكانتها أمام دول العالم، وهنا يكمن تساؤل مشروع هو: أين ديناميكية الولايات المتحدة وقيادتها فيما جرى من مواجهة فيروس (كورونا)، فقد أدرك جميع قادة وشعوب العالم أن صنّاع القرار في الولايات المتحدة يتصرفون من دون أن يكون لديهم خطط أو برنامج لعملهم، وهذا ما دفع العديد من المؤسّسات السياسية للخوض في هذه المسألة، منها على سبيل المثال لا الحصر كلية الشؤون الدولية والعلوم السياسية في جامعة (نيو آرك) التي عملت على تنظيم العديد من الحوارات الساخنة مع أكاديميين تحت عنوان (نهاية قيادة الولايات المتحدة الأمريكية للعالم)، والتي كان من نتيجتها انقسام الرأي وعدم الاستقرار على موقف موحّد، فمنهم من قال إن رؤساء الولايات المتحدة أمضوا قدراً كبيراً جداً من قوتهم في العقود الأخيرة في المطالبة بقيادة الولايات المتحدة للعالم، لكنهم يكثرون من الكلام دون جدوى. والبعض الآخر أشار صراحة إلى أن رؤساء وقادة الولايات المتحدة يمارسون سياستهم بشكل فوضوي وهم في حالة متضعضعة وخطيرة. وكانت بدايات ذلك الضعف قد تجلّت مع ظهور فيروس (كورونا)، وأن للقيادة العالمية مظهرين واضحين، أولهما أن تكون الدولة الأقوى اقتصادياً وعسكرياً وأمنياً، ويتوافر لديها أفضل المنتجات الإلكترونية والتكنولوجية المتطورة. والمظهر الثاني أن يكون للدولة قائد ذو كاريزما، قوي الشكيمة، ويملك الإرادة الكاملة لحماية بلده والحفاظ عليها، وألا يستهين بقوة الآخرين ولا بمكانتهم، وأن ترى العالم بأكمله بعيون تمتد أبصارها نحو العالم بأكمله، إلى جانب نظرتها لمصالحها الخاصة الوطنية والقومية.
في الحقيقة اتفق معظم الحاضرين لحوارات ندوة (نهاية قيادة الولايات المتحدة الأمريكية للعالم) على أن الولايات المتحدة لا تزال تتمتّع بتفوق عسكري كبير جداً في موازين القوة العسكرية حول العالم كله، حيث يصل إنفاقها العسكري على التسليح إلى نسبة عالية تصل إلى أربعين بالمئة من إنفاق الدول الكبرى مجتمعة. كما أنها تملك ثراء في الثروات الإنتاجية والزراعية، وكذلك في التطور التكنولوجي والتقني والتعليم، لكن كل ذلك لم يساعدها على إثبات تفوقها وقدراتها العسكرية تحديداً، نتيجة ما واجهته تدخلاتها السافرة في العديد من دول العالم، ومن قوة وإرادة شعوب هذه الدول ومعظمها شعوب مستضعفة، أو أيضاً نتيجة لسوء الإدارة والتخطيط للحرب. ولنا في ذلك الكثير من الأمثلة مثل الفشل العسكري الذريع في فيتنام، قياساً إلى تفوق الولايات المتحدة، ليس هذا فحسب بل من تعثر الولايات المتحدة من الناحية العسكرية في العراق قياساً إلى قوتها في المجالين العسكري والإداري.
الرأي الصريح والرائج في الولايات المتحدة بين أوساط الحزبيين والمفكرين والمثقفين أن الولايات المتحدة الأمريكية لم تفشل في قيادة العالم فحسب، بل خذلت الشعب الأمريكي نفسه، وهذا فشل كبير للقيادة الأمريكية داخل الولايات المتحدة نفسها.