أوروبا وأفريقيا عند مفترق طرق؟
عناية ناصر
على مدى العقد الماضي، أظهر الاتحاد الأفريقي (AU) طموحاً متزايداً في العلاقات الدولية، وقد حاولت مفوضية الاتحاد الأفريقي هيكلة العلاقات مع الشركاء الاستراتيجيين لتنسيق تدخلاتهم في أفريقيا ومواءمتها مع الأولويات الأفريقية المحدّدة في أجندة 2063.
وفي حين أنه من السابق لأوانه الحديث عن سياسة خارجية للاتحاد الأفريقي، فإن إطار إصلاح الاتحاد ينعكس على دور المنظمة في علاقات أفريقيا مع العالم الخارجي، بما في ذلك الاتحاد الأوروبي. ولكن هل يمكن للدول الأفريقية أن تفكّر في علاقة بين الاتحاد الأوروبي وأفريقيا تتجاوز المساعدات؟ وهل يستطيع الأفارقة خلق إجماع كافٍ للاتفاق على سياسات مهمّة؟.
لقد كشفت أزمة COVID-19 عن العديد من نقاط الضعف على جانبي البحر الأبيض المتوسط، إذ تمّ استخدام الديون كأداة لمعالجة الآثار الاجتماعية والاقتصادية للوباء، وقد كسرت السياسات المصمّمة لإنقاذ الاقتصادات العديد من المحرمات.
يوفر هذا فرصة لتحويل النموذج القديم للعلاقات بين المانحين والمتلقين إلى نموذج جديد للعلاقة بين الاتحاد الأفريقي والاتحاد الأوروبي، فالطلبات المتكرّرة للحصول على تمويل إضافي تحرم الدول الأفريقية من مورد مادي ورمزي للتفاوض على قدم المساواة.
كانت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين تحاول منذ انتخابها، الحفاظ على دور قيادي للاتحاد الأوروبي في فضاء متعدّد الأطراف، معتبرة أن الشراكة مع أفريقيا أولوية لأسباب تتعلق بالجغرافيا والتاريخ والاقتصاد وإدارة الهجرة.
وتعدّ أوروبا الشريك التجاري الأكثر أهمية لأفريقيا، على الرغم من اشتداد المنافسة من البلدان المسمّاة بالبلدان الناشئة على مدار العشرين عاماً الماضية. لكن غالباً ما تمّ استحضار الرغبة في تجديد الشراكة بين أفريقيا وأوروبا ولكن لم يتمّ تنفيذها بالكامل أبداً بسبب عدم وضوح أهدافها، ولاسيما على الجانب الأفريقي. وفي اتصالات آذار 2020 ، أعلنت مفوضية الاتحاد الأوروبي مرة أخرى عن طموحها لتشكيل “شراكة بين أنداد” مع أفريقيا. لكن ماذا يعني هذا؟ على الرغم من التزام الطرفين منذ عام 2007 بشراكة إستراتيجية تبتعد عن التركيز على المساعدة، إلا أن هذا ظل مجرد أمنيات لعدة أسباب.
أولاً، التعاون المطلوب يتمّ تحديده بشكل أساسي من الاتحاد الأوروبي، في حين ظل الاتحاد الأفريقي، وخاصة البلدان الأفريقية، مستجيباً إلى حدّ كبير للقضايا الأوروبية، ومعتمداً على التمويل.
ثانياً، في تعاونها مع الاتحاد الأوروبي، فإن الدول الأفريقية تبدو أسيرة صراع مبعثر، فالبعض يقوم ببناء علاقاته مع الاتحاد الأوروبي من خلال شراكة مجموعة دول أفريقيا والكاريبي والمحيط الهادئ (ACP) والاتحاد الأوروبي التي تحكمها اتفاقية “كوتونو”، والبعض الآخر من خلال سياسات الجوار (شمال أفريقيا).
لدى الاتحاد الأوروبي أيضاً استراتيجيات محدّدة للقرن الأفريقي والساحل وخليج غينيا، إضافة إلى العديد من عمليات الحوار. هذا التعدّد في الأطر يجعل رغبة أفريقيا في تطوير شراكة مشتركة ومنسقة تقوم على الندية أمراً غير مؤكد، كما أن أدوات تمويل الاتحاد الأوروبي حتى الآن ببنائها في مناطق متميزة تعقد عملية تطوير المواقف المشتركة لأفريقيا، ومع ذلك، فإن المسؤولية لا تقع فقط على عاتق الشريك الأوروبي لأن البلدان الأفريقية تفتقر بشدة إلى توافق في الآراء.
اكتسب التعاون بين الاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي أهمية معينة على المستوى السياسي، كما يتضح من القمم المتتالية بين القارتين، والتي عُقدت آخرها في أبيدجان في تشرين الثاني 2017 لكن لم يتمّ تنفيذ خطة العمل التي تمّ تبنيها هناك بسبب الافتقار إلى آلية التمويل ومؤسسات التنفيذ المناسبة. لذلك يعاني التعاون بين قارة وأخرى من عجز في التنفيذ، حيث لا يتمّ إضفاء الطابع الرسمي عليه أو دعمه من خلال صك قانوني ملزم.
إن التغيير مطلوب، والسياق الحالي مؤاتٍ، لذلك فالمشاورات بين الاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي من أجل اعتماد إستراتيجية مشتركة تتزامن مع التفاوض على إطار قانوني للشراكة بين الاتحاد الأوروبي ومجموعة دول أفريقيا والكاريبي والمحيط الهادئ الذي سيحكم العلاقات بينهما على مدى السنوات العشرين القادمة، إذ يتفق الاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي على الحاجة إلى إعطاء المنظمات الإقليمية مكاناً بارزاً في تنفيذ الشراكة وتحريرها من إطار عمل الاتحاد الأوروبي ودول أفريقيا والكاريبي والمحيط الهادئ.
حتى لو لم تُنفذ رغبات الاتحاد الأفريقي في التعاون بين الاتحاد الأوروبي وأفريقيا، فإن اتفاقية ما بعد كوتونو -والتي ستشمل قاعدة مشتركة لجميع الأطراف والبروتوكولات الإقليمية لأفريقيا ومنطقة البحر الكاريبي والمحيط الهادئ- ستعمل الآن على هيكلة التعاون بين الاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي. وسيكون لها مؤسساتها الخاصة وآلياتها التنفيذية وأداة تمويل مخصّصة لها، ويجب أن تتيح هذه الخطوة الرئيسية إلى الأمام ترشيد السياسات المختلفة وإنهاء أطر الشراكة الزائدة عن الحاجة.
لقد حان الوقت لنموذج جديد بين الاتحاد الأفريقي والاتحاد الأوروبي لا يعتمد على العلاقات بين المانحين والمتلقين، فخلال 60 عاماً من الاستقلال، لم تعزّز العلاقة بين أوروبا وأفريقيا التصنيع في أفريقيا، والذي اعتبره العديد من الخبراء الأداة الوحيدة التي يمكن أن تعزّز الاقتصادات الأفريقية بشكل كبير.
يمكن أن ينصبّ التركيز الجديد على الاستثمار بشكل رئيسي في تنويع ودعم الاقتصادات الوطنية الأفريقية المستدامة. يجب أن ترتكز هذه على التقنيات الجديدة والخضراء وسلاسل القيمة المحلية على النحو المتوخى في اتفاقية التجارة الحرة القارية الأفريقية. كما يجب أن يعزّز التعاون رقمنة الاقتصادات الأوروبية والأفريقية والقطاعات العامة لتحسين الإنتاجية والوصول إلى الخدمات. سيعتمد تحقيق جميع هذه الأهداف إلى حدّ كبير على مفاوضات الإطار المالي الحالية للاتحاد الأوروبي للفترة 2021-2027.
ربما تكون القمة الأفريقية الأوروبية السادسة، المقرّر عقدها في الربع الأخير من عام 2020، فرصة هي الأخيرة قبل دخول اتفاقية ما بعد كوتونو حيّز التنفيذ، وهذا من شأنه أن يضع الاتفاقية في إطار مؤسسي متجدّد، ويزوّدها بأدوات تنفيذ فعّالة.
لا شك أن القمة ستركز على الوباء وتداعياته، ولكن قبل كل شيء، ستمكّن كلا الطرفين من إعادة إطلاق علاقة قائمة على ما يُسمّى بالمصالح المشتركة وتعزيز التعدّدية، بما يتماشى مع التزاماتهما في هذا المجال.