استحضار ذكرى حرب تشرين في مهرجان أدباء إدلب
“أهل العلم والثقافة والأدب جاؤوا إلى هنا ليقولوا إلى سورية نحن مع عودة إدلب، ونحن مستمرون بحرب تشرين حتى نصل إلى آخر شجرة على أرض سورية، ونطرد آخر مستعمر صهيوني أو تركي أو غير ذلك”، بهذه المفردات حيا الإعلامي محمد خالد الخضر الحاضرين في “مهرجان أدباء إدلب” في المركز الثقافي العربي-أبو رمانة- بمناسبة الاحتفال بذكرى حرب تشرين التحريرية بمشاركة عدد من شعراء إدلب وأدبائها عبّروا عن مقاومتها، واستحضروا صوراً من انتصارات تشرين، وكانت فلسطين حاضرة امتداداً للمقاومة والنصر، وقد تنوّعت القصائد بين التفعيلة والشعر العمودي وقصيدة النثر التي غلبت على أكثر القصائد.
الحرب الاقتصادية والخيانات
لم يقتصر دور محمد خالد الخضر على إدارة المهرجان والتعريف بالشعراء، إذ شارك بمقتطفات من قصائده المطوّلة الملتزمة بالأدب المقاوم ابتداء من مقاومة العدو الصهيوني إلى مواجهة الإرهاب والعدوان التركي، منها قصيدة” العار القادم من هناك” التي اختزلت خيانات وجرائم الإرهابيين رابطاً الماضي بالحاضر، إلى الحرب الاقتصادية والدولار، ليقفل القصيدة على الخيانة التي فجّرت الحرب:
لولا الخيانة ما تفجّر بيننا/لغم ولا ضرب العدو سهاماً/ومن الأسافل كل هذا وارد/فلقد كشفت لأمتي الأوهاما /ألغام الحقد
ورسم رامز الحاج حسين ببراعة حكاية طفل وصلته من خلال رسالة إلى مجلة أسامة من ريف إدلب، فكتب عنها أقصوصة بعنوان “آسر القلوب الصغيرة” بدأت بحوار أمجد مباشرة مع والدته التي تمنحه القوة قبل أن يذهب إلى حفلة الربيع السنوية المسرحية، ليشارك الأطفال الذين يحملون الدمى ويحركونها بالغناء “تدفق في القاعة صوت أمجد الملائكي الآسر عذباً حنوناً مع تلك الموسيقا الهادئة التي تعزف”، وتأتي قفلة القصة بأن أمجد أصيب بنيران الحقد وهو على كرسي متحرك أطل أمجد الصغير وهو يدفع كرسياً مدولباً يجلس عليه فيقول: “كل ألغام حقدكم لن تحول دون تحليق طفل عربي سوري نحو الغيوم”.
كما قرأ قصيدة نثرية استحضر فيه صورة الزباء والمقولة الشهيرة التي تدل على الغدر “لأمر ما جدع قصير أنفه” كمقدمة تمهيدية للحرب الإرهابية والأحداث التي وقعت:
“لدير الزور الحزينة/يوم انهد سد الفرات/وأغرق نهار قلبي/بقبائل همجية سوداء”
ودعا مصطفى حسون بقصيدته النثرية “أنا” إلى التمسك بقيم المحبة والسلام غير مكترث بالدواعش :
“ولا أبالي بالغرابيب/وأبني للسنونو/عالماً من دفء أشواقي/ليحيا في ربيع الكون”
واستحضر حسون مع غيره من الشعراء ذكرى حرب تشرين من خلال قصيدة النثر بعنوان “صفحة من تشرين” بالسؤال عن والده الغائب في الحرب” أين أبي؟ فربط بين أفراح تشرين وانتصارنا على الإرهاب في قصيدة دخان ثم نار:
“وغداً بأغراس البلاد سيتسمر الفوح يرسم للمحبة عالماً/يغفو على حلم السلام ولن يفرط بالديار”
لا تفاوض
فلسطين كانت حاضرة بشعر عبد الناصر شاكر ووصية والده الشهيد التي يصرّ فيها على عدم التنازل والاستسلام والصلح بإشارة واضحة إلى رفض التطبيع الدائر حالياً من بعض الأنظمة العربية بقصيدته التي التزمت بتكرار وزن التفعيلة واستخدام أسلوب الإنشاء بالأمر والنداء “قالها”:
يابني.. لا تصالح..لا تفاوض..لا تساوم/يابني/انهض وقاوم/لا تصالح..لا تفاوض.. لا تساوم/وإن جاهدوك على الصلح/اقطع يدك اليمنى/ لتعرف اليسرى مصير من يساوم
واستعاد المناضل د. حكمت جمعة صورة إدلب التي تقاوم والشوق إليها في قصيدة “نشيد العاشق الأول”:
في الليل تنهشني الذئاب/وفي الصباح أنا أحبك/
وبدا غضبه على ما فعله الإرهابيون في إدلب في قصيدته المعنونة بقصائد نائية:
كأنني أستفز المستحيل سدى/نبشت ألسنة الموتى/الفلسطيني المقاوم
وتقاطعت قصيدة مجيب السوسي مع من تطرقوا إلى ذكرى تشرين:
“إن تشرين عابق بجذوره/جنة من أسود”
ومن تشرين إلى المقاومة الفلسطينية فيرسم صورة الفلسطيني المتشبث بأرضه بقصيدته الفلسطينية:
الفلسطيني عنوان الزلازل/وجراحات له أثمن من كل الغنائم/والفلسطيني نار وسلام ومكارم/والفلسطيني من أول السطر إلى آخر الحق مقاوم.
وعاد الشاعر جهاد بكفلوني إلى سمات الشعر القديم العمودي بوصفه المعرة:
“معرة لو هرقت حروف حبي/لما وسع الوجود لها مدادا/سفينة فرحتي سبقت فؤادي/فكاد الصدر ينكره فؤادا/فتحت كتاب شوقي فاقرئيه/اطيلي في مناهجه اجتهادا”.
جغرافيتها وملامحها
ومن شعراء إدلب الشباب محمد العوف الذي ألقى قصيدة استهلها بطيب الآمال:
وجه تعلق عليه الآمال/طيب آمال هيبة جمال
ليكثر من التساؤلات عن تبدل أحوال إدلب:
“كيف البيوت أصابها الإهمال/كيف تفرقت أجيال”
ثم يثني على جمالية جغرافية إدلب وطبيعتها الساحرة” وفيها تضرب الأمثال” ويستعرض ملامح من تراثها اللامادي، ومن ثم يعود إلى التساؤلات “ما الذنب حتى اسوّدت الأحوال” ويقفل القصيدة بالحزن على الخراب الذي أصابها جراء الإرهاب فيصفها بالأطلال “إن البلاد جميعها أطلال”.
عظمة المرأة السورية
ووجهت الشاعرة نبوغ أسعد رسالة إلى كل النساء تذكرهن بأصالة العرب بالخنساء وفاطمة وبعظمة انتمائهن إلى سورية من خلال قصيدتها العامودية المتسمة بالمفردات القوية والألفاظ الجزلة معتمدة القافية البائية “نساء ولكن”
يا أخت أعظم من في الأرض من نسب/قومي إلى ساحة الميدان واقتربي/أمامك الآن سورية وعزتها/فحركي كل هذا المجد وانتسب
أما قصيدتها تاريخ أمجاد فاستمدت من نصر تشرين:
تشرين عاد ويومه موعود/ورجالنا قرب الحدود أسود
ملتقى المقاومة
وأعرب أدباء إدلب وشعراؤها عن أهمية هذا المهرجان ملتقى المقاومة والصمود الذي يساند أبطال المعارك، ويرى محمد العوف أن أدباء إدلب يستحضرون انتصار تشرين ويقولون كلمة الثقافة لإدلب وسورية، وأكد د. حكمت جمعة بأننا لم ننتصر في حرب تشرين فقط، نحن ننتصر في كل عام على كل القوى الصهيونية والرجعية وأعداء الأمة والحياة، وسننتصر في سبيل الحق، وتحدث مصطفى حسون عن استثمار كل فعالية وذكرى لنؤيد فيها الموقف الشعبي والرسمي تجاه أية حالة تعيشها البلد في مسيرة الأدب شعراً ونثراً.
أما الشاعرة نبوغ أسعد فترى أن المهرجان رسالة إلى كل إرهابي، وإلى من راهن على سقوط إدلب بأننا سنبقى صامدين إلى آخر قطرة من دمنا من أجل هذا الوطن الذي يمتد من المحيط إلى الخليج.
ملده شويكاني